الانسان اجتماعي بطبعه، ومما لا شك فيه أن له علاقات عديدة ومتعددة مع غيره من المحيطين، وهذه العلاقات تشمل كافة مجالات حياته، منها ما يربطه مع البقالة ومع بائع الملابس ومع صاحب العمل الذي يشتغل فيه … الخ، هذا النوع من العلاقات هو في الغالب ذو طابع مالي، ودون شعور من الشخص وبطريقة تكاد تكون لاارادية في اغلب الاحيان نظرا لكثرة هذه المعاملات وتكرارها يوميا بل في كل لحظة، تجد الشخص منا يقوم بها في منتهى الدقة فتجده يلتزم بدفع ثمن الملابس مثلا كما تجده يمتثل للتعليمات والاوامر التي يتلقاها من رئيسه في مكان عمله، هذا النوع من المعاملات ذو الطابع المالي يدعى الالتزامات وعليه فإننا نحاول بيناها بالمختصر و بعجالة.
في تعريف الالتزام: تعريف الالتزام يتوقف على المذهب الذي أخذ منه، ذلك لان الالتزام يتجادله مذهبان، مذهب شخصي وآخر مادي، ولا بد لنا من معرفة أي مذهب منها انتهج المشرع الأردني، وفيما اذا كان يمزج بينهما أو يميل لمذهب دون آخر. المذهب الشخصي: وهو يعتبر الالتزام رابطة شخصية، والمقصود بهذه الرابطة أن الالتزام لايمكن ان يقوم الا اذا كان هناك مدين ولا يكتمل الا اذا كان هناك دائن، وبهذه الخاصية الاساسية يختلف الحق الشخصي عن الحق العيني وينتج عن هذا المذهب مجموعة من النتائج أهمها:
ـ يلزم وجود كل من الدائن والمدين وقت نشوء الالتزام.
ـ عدم تصور تغيير أحد طرفي هذه الرابطة دون ان تتغير الرابطة نفسها، وبالتالي لايمكن انتقال الالتزام سواء عن طريق حوالة الدين من جانب المدين او عن طريق حوالة الحق من جانب الدائن .
المذهب المادي: ينظر هذا المذهب للالتزام كرابطة مادية بين ذمتين ماليتين، ولا يولي شخصية الدائن او المدين أي اعتبار في هذه الرابطة، وينتج عن هذا المذهب مجموعة من النتائح تعد عكس نتائج المذهب الشخصي أهمها: ـ إمكان نشوء الالتزام حتى ولو لم يوجد الدائن منذ البداية متى كان من الممكن وجوده في المستقبل خاصة عند تنفيذ الالتزام. ـ إمكان تغيير اطراف الالتزام وانتقاله عن طريق حوالة الدين وحوالة الحق.
موقف المشرع الأردني: لقد انتهج القانون المدني الأردني النظرية الشخصية كالقوانين العربية واللاتنية، وجعلها في الاصل لكنه لم يهمل الاخذ بالنظرية المادية بل أعطاها نصيباً محدوداً من احكامه فنص على حوالة الدين (المادة 993) وعلى الوعد بالجائزة الموجه للجمهور (المادة 255) ، وأخذ بمعايير مادية مثل معيار الغبن في العقد (المادة 145) وفي القسمة (المادة 1044 و المادة 1050)، واخذ بالارادة الظاهرة في كثير من المواضيع يقصد بقاء التعامل بين الناس كما فعل في بقاء التعبير عن الارادة (المادة 213) .
في خصائص الالتزام: من تعريف الالتزام يتبين لنا ثلاث خصائص للالتزام هي: الاول: الالتزام علاقة قانونية: إن أهم ما يميز الالتزام انه رابطة قانونية بين شخصين، فالالتزام واجب قانوني، أي أنه واجب يكفل القانون احترامة، والقاعدة أن الوسيلة الى ذلك في الدعوى التي يمنحها القانون لصاحب الحق أي الدائن ليقتضي حقه من المدين. الثاني: الالتزام علاقة ذات قيمة مالية: ومعنى ذلك أن الالتزام يجب أن يتعلق بواجب ذي طابع مالي أي له قيمة مالية (المادة 68) مثل عقد البيع او بمصلحة أدبية تكون قابلة للتقدير المالي (المادة 71) مثل حق المؤلف على مؤلفه. الثالث: الالتزام علاقة بين شخصين: ومعنى هذه الخاصية ان الالتزام يجب أن يكون بين شخصين معنين و موجودين على الاقل وقت تنفيذ الالتزام، أحدهما الدائن والاخر المدين.
في مصادر الالتزام: مصادر الالتزام كما نص عليها القانون المدني الأردني هي: اولاً: العقد: عرفته المادة 87 من القانون المدني ” العقد هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويرتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر”، فيثبت حكم العقد في المعقود عليه وبدله و يجب على المتعاقدين الوفاء بما أوجبه العقد (المادة 199)، ولا يجوز لأحد المتعاقدين الرجوع فيه ولا تعديله ولا فسخه إلا بالتراضي أو التقاضي أو بمقتضى نص في القانون (المادة 241).
ثانياً: التصرف الانفرادي: أجازت المادة 250 من القانون المدني أن يتم التصرف بالإرادة المنفردة للمُتصرف دون توقف على القبول ما لم يكن فيه إلزام الغير بشيء، و من أحكامها الوعد للجمهور بجائزة (المادة 255).
ثالثاً: الفعل الضار: فكل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر (المادة 256) و يكون بالمباشرة أو التسبب (المادة 257)، ويقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب (المادة 266)،ويتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك (المادة 267)، ويقع باطلا كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على الفعل الضار.
رابعاً: الفعل النافع: وقد بين القانون المدني الأردني صورها كما يلي: 1.الكسب بلا سبب: فلا يسوغ لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي. فإن أخذه فعليه رده (المادة 293). 2.قبض غير المستحق: فمن أدى شيئاً ظاناً أنه واجب عليه. ثم تبين عدم وجوبه فله استرداده ممن قبضه إن كان قائما أو مثله أو قيمته إن لم يكن قائماً (المادة 296). 3.الفضالة: فمن قام بفعل نافع لغير دون أمره ولكن أذنت به المحكمة أو أوجبته ضرورة أو قضى به عرف فيعتبر نائباً عنه (المادة 301). 4.قضاء دين الغير: فمن أوفى دين غيره بأمره فله الرجوع على الآمر بما أداه عنه و يقوم مقام الدائن الأصلي في مطالبته به (المادة 309).
خامساً: القانون: فقد اعتبر المشرع الأردني القانون مصدراً من مصادر الالتزام وهذا ما نصت عليه المادة 312 من القانون المدني “الحقوق التي تنشأ مباشرة عن القانون وحده تسري عليها النصوص القانونية التي أنشأتها”.
في أنواع الالتزام: هناك عدة أنواع للالتزام يختلف بحثها من حيث الاثر او من حيث المحل او من حيث المصدر. من حيث الاثر: بينت المادة 313 نوعي الالتزام بالجبري والحق الطبيعي. فالالتزام الجبري هو الالتزام الذي يستفيد من الحماية القانونية الكاملة حيث يمكن للدائن مطالبة المدين به قضاء، ويتكون من عنصرين هما: 1.المديونية: أن يكون المدين ملزماً بالقيام بأداء معين تجاه الدائن. 2.المسؤولية: مما يسمح بالزام المدين باداء التزامه قضاء. أما الالتزام الطبيعي فهو الالتزام الذي لا يستفيد من الحماية القانونية الكاملة اذ لا يمكن إجبار المدين على تنفيذ التزامه ويسميه الفقه أيضاً بالحقوق القانونية الناقصة كونه يفتقد لعنصر المسؤولية. من حيث المحل: المقصود بمحل الالتزام هو الشيء الذي التزم به المدين نحو الدائن، و يعرض الفقه تفصيلات هذا التقسيم بشرح وافر، و قد اعتمد المشرع الأردني في نصوصه على هذه التقسيمات في مواضع مختلفة من القانون المدني حين بين حكم القانون على محل الالتزام و هذا التقسمات هي:
1.الالتزام بإعطاء (نقل حق) وهو التزام بنقل حق عيني على عقار او منقول او التزام بانشاء هذا الحق مثل ماهو في عقد البيع حيث يلزم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع الى المشتري وفي المقابل يلتزم المشتري بدفع الثمن الى البائع، و نقل حق الانتفاع في الأيجارات. 2.الالتزام بفعل ومضمونة أن يقوم المدين بعمل اجابي لمصلحة الدائن كالتزام العامل بأداء عمله والتزام المقاول ببناء منزل، و قد يكون العمل هو القيام بابرام تصرف قانوني كالتزام الوكيل بان يبرم العقد الذي تعهد بابرامه عن موكله. 3.الالتزام بالامتناع عن عمل ومقتضاه أن يمتنع المدين عن استعمال حقه استعمالا غير مشروع و بينتها المادة 66 من القانون المدني. و يضيف الفقه تقسيم آخر للالتزام من حيث المحل يعتمد على النتيجة التي التزم بها المدين، فقد يلتزم نحو الدائن بتقديم شيء او بتحقيق نتيحة معينة وقد يقتصر تعهده على بذل جهد او عناية فقط بغض النظر عن تحقيق النتيجة او عدم تحقيقها، وعليه فيقسم الالتزام هنا إلى ما يلي: 1.الالتزام بتحقيق نتيجية وهو التزام يتعهد المدين بمقتضاه بتحقيق نتيجة او غاية محددة وما لم تتحقق هذه النتيجة يكون المدين مسؤولنا امام الدائن لكونه لم يقم بتنفيذ التزامه، وبالتالي فان مسؤوليته تقوم لمجرد ان الغاية المطلوبة والتي هي محل الالتزام لم تتحقق، ومثاله النقل فتنفيذ الالتزام يتحقق بنقل الشخص أو الشيء إلى المكان المتفق عليه وفي الأموال يقتضي التسليم. 2.الالتزام بذل الجهد بعناية ومضمونه التزام المدين ببذل الجهد بعناية سواء تحققت النتيجة المرجوة أو المنشودة أم لم تتحقق، فمثلا يلتزم الطبيب بمعالجة المريض دون ان يضمن له الشفاء وذلك مع وجوب مراعاة الاصول العلمية المقررة أي الاصول المتبعة في العلاج التي يعرفها أهل العلم، ولا يُتسامح مع من يجهلها او يتعداها ممن ينتسب الى اختصاصهم وفنهم .