المسؤولية التقصيرية | انتفاء المسؤولية التقصيرية عن المدعى عليه
أثر فعل الغير باعتباره سبباً أجنبياً في انتفاء المسؤولية التقصيرية عن المدعى عليه:
السبب الأجنبي هو الدفع لانتفاء العلاقة السببية والتي تمثل احد اركان المسؤولية التقصيرية، التي تنتفي بانتفائها، فقد نصت المادة (261) من القانون المدني على أنه:
(إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون أو الاتفاق بغير ذلك)، من النص السابق نجد المشرع قد بين صراحة بقاعدة مكملة أثر تحقق السبب الأجنبي في انتفاء مسؤولية الشخص المنسوب إليه الإضرار، وبين المشرع أيضا صور السبب الأجني وهي:
1) آفة سماوية.
2) حادث فجائي.
3) قوة قاهرة.
4) فعل الغير.
5) فعل المتضرر.
وأن هذه الصور ذكرها المشرع على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال.
محامي مدني في الأردن
بينت سباقاً صور السبب الأجنبي والتي منها (فعل الغير)، وهذه الصورة ستكون محور منشوري اليوم – والذي سأتبعة بمنشورات أخرى تتناول باقي صور السبب الأجنبي.
سأناقش في هذا المنشور تعريف فعل الغير وتحديد طبيعته وبيان صفاته وظواهر تحققه بما يجعله متميزا عن صور السبب الأجنبي الأخرى.
ثم نناقش الآثار التي تصاحب فعل الغير على مركز المدعى عليه في دعوى المسؤولية التقصيرية وهو الشخص المنسوب إليه فعل الإضرار في حال أثبت أن ما لحق المضرور من ضرر كان نتيجة فعل الغير.
محامي حقوق مدنية
أولاً: مفهوم فعل الغير:
حاول الفقه بيان مفهوم فعل الغير الذي يعتبر سبباً اجنبياً مانعاً للمسؤولية التقصيرية من خلال وضع تعريف يحدد مفهومه بما يميزه عن المعاني الأخرى.
وكذلك كان للفقه الإسلامي الدور البارز لبيان مفهوم هذا المصطلح من خلال ايراد احكامه وهذا ما سنناقشه في هذا البند في الفقرتين التاليتين:
الأولى فعل الغير في الفقه الإسلام، والثانية فعل الغير في الفقه القانوني.
محامي مطالبات مالية
– فعل الغير في الفقه الإسلامي:
اعتبر فقهاء المسلمين فعل الغير سبباً اجنبياً يؤدي إلى عدم الضمان الجزئي حيث اعتبر الحنفية في معرض الحديث عن هلاك المعقود عليه بفعل اجنبي.
ما يأتي” وان هلك المبيع بفعل اجنبي فعليه ضمانه لا شك فيه لأنه أتلف مالاً مملوكاً لغيره بغير اذنه لا يد له عليه:
(أنظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، دار الكتب العلمية، لبنان، 2003، ص 36)،
كما ورد في مجمع الضمانات ما يأتي
“رجل في يديه مال انسان فقال له السلطان الجائر ان لم تدفع الي هذا المال حبستك شهراً او ضربتك ضربا لا يجوز له ان يدفع المال،
فان دفع كان ضامنا وان قال له الي المال اقطع يدك او اضربك خمسين سوطا فدفع اليه لا يكون ضامنا لان دفع مال الغير الى الجائر لا يجوز،
الا ان يخاف تلف نضوه والضرب المتوالي يخاف منه التلف (أنظر مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان،
أبي محمد غياث بن غانم البغدادي، ط1، المطبعة الخيرية، القاهرة، 1308، ص 74).
محامي مطالبات مالية
فييتضح مما سبق ان هلاك الشيء بفعل اجنبي يؤدي الى نفي العلاقة السببية فلا يضمن المدين كما لو تعدى السلطان على الوديعة مهدداً المودع عنده باذى لا يطيقه لم يضمن المودع عنده تعدي السلطان،
اذ يعتبر هذا التعدي فعلاً للغير(أنظر مصادر الحق في الفقه الإسلامي – دراسة مقارنة بالفقه الغربي، د. عبد الرزاق السنهوري، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص 126).
ولا يختلف حكم فعل الغير في المسؤولية العقدية عنه في المسؤولية التقصيرية،
فالقاعدة في الفقه الإسلامي انه اذا اجتمع المباشر والمتسبب اضيف الحكم الى المباشر فلو حفر احد بئراً تعدياً وجاء انسان ودفع آخر والقاه في البئر فهلك فالضمان على الدافع دون الحافر.
(أنظر الضمان في الفقه الإسلامي، د. علي الخفيف، دار الفكر العربي، القاهرة، 2000، ص 66).
محامي مطالبات مالية
ويمكننا القول ان الفقه الإسلامي عرف الغير الذي يعتبر فعله سبباً اجنبياً من خلال تقسيم أفعال الأشخاص الى فعل مباشر وفعل بالتسبب،
واعتبار ان المباشر ضامن وان لم يتعد فعله، اما المتسبب غير ضامن الا ان يكون متعد فان الفاعل المباشر مسؤول عن تعويض الضرر،
وضامن ولا دفع مسؤوليته بالتمسك بفعل الغير ودون الاعتماد بخطئه اما ان كان الفاعل متسبب وغير متعد أي لم يقصد احداث الضرر،
فان المدعي عليه بالضمان يستطيع الدفع بالتمسك بفعل المتسبب الذي هو الغير اما اذا اجتمع المباشر والمتسبب كان المباشر ضامن.
محامي حقوق مدنية
– فعل الغير في الفقه القانوني:
إن مصطلح الغير من المصطلحات القانونية القديمة حيث بدأ تداولها في العهد الروماني عندما اخذوا باستخدامه عند الكلام عن قاعدة نسبية اثر العقد التي تشير الى:
“أن العقود وأحكام القضاء لا تتعدى لغير أطرافها بنفع او ضرر.
أنظر قواعد فقهية رومانية، عبد العزيز فهمي، مطبعة جامعة فؤاد الأول، القاهرة، 1947، ض 19، وقد استخدم الفقه الفرنسي بعد ذلك هذا الاصطلاح،
حيث أشار اليه الفقيه الفرنسي بوتيه الذي استعمل اصطلاح الغير وعنه اخذت المجموعة المدنية الفرنسية،
حيث ورد هذا اللفظ في مؤلفه (الالتزامات) في الجزء الثاني واصبح شائعا في مجالات متعددة من القانون فأخذت تتداوله المحاكم وكتابات الفقهاء دون ان يتم توضيحه بشكل وافي.
(أنظر الغير في القانون المدني المصري، عاطف محمد كامل، رسالة دكتوراة، جامعة الإسكندرية، 1976، ص 7).
محامي حقوق مدنية
ويذهب الفقه الى القول بانه “الغير كما هو معروف يختلف تحديده تبعاً لأوضاعه المختلفة فالغير في حجية الورقة العرفية قد حددناه ونحدده تحديداً اخر في التاريخ الثابت،
وفي حجية الشيء المقضي به وفي الصورية وكذلك له تحديد خاص يختلف عما تقوم في اثر العقد او سريانه،
وفي التسجيل وهو في كل وضع من الأوضاع يتحدد على نحو يتلاءم مع هذا الوضع والفكرة المشتركة في كل هذه الأوضاع ان اثراً قانونياً معينا،
قد تحقق لشخص تقضي المبادئ العامة للقانون بحمايته من ان يمتد اليه فيعتبر من الغير بالنسبة لهذا الأثر.
(أنظر الوسيط في شرح القانون المدني، د. عبد الرزاق السنهوري، ج2، نظرية الالتزام بوجه عام الاثبات – آثار الالتزام،
دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، ص 196، هامش،
لذلك حتى الوقت الحاضر يعتبر مفهوم الغير مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض مع ان هناك العديد من المحاولات تناولت هذه الفكرة ودلالته الفنية مما يصعب وضع تعريف عام يمكن ان يحيط بكافة جوانبها من حيث وجود معاني متعددة له.
محامي حقوق مدنية
فالجهود الفقهية وان لم تصل الى تعريف جامع يحيط بالفكرة في كافة تطبيقاتها فلا يرجع ذلك الا لكون طبيعتها تأبى هذا التحديد،
لذلك فأن الجهود الفقهية تهدف الى الوصول بالفكرة الى درجات النقاء ولا يتحقق ذلك الهدف الا من خلال تحديد معناه في مجالاته الرئيسية.
(أنظر النسبية والغيرية في القانون المدني – دراسة عملية على ضوء الفقه وقضاء النقض، عبد الحكم فوده، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1996، ص 53).
من جانب آخر يعتبر الفقه ان فعل الغير يعتبر سبباً اجنبياً معفي من المسؤولية وفقاً لقاعدة.
“أن الشخص لا يسأل الا عن فعله الشخصي ولا يسأل عن فعل غيره الا بناء على نص القانون او الاتفاق”.
(أنظر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، د. علي عبيد عودة الجيلاني، جامعة بغداد، رسالة ماجستير، 1977، ص 339).
ويعرف الفقه الغير الذي يعتبر فعله أحد صور السبب الأجنبي بانه:
“الشخص الأجنبي عن كل من المدعي والمدعى عليه (أنظر الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات، د. سليمان مرقص، مطبعة مصر الجديدة، ج2، ط5، مصر 1988، ص 499)،
ويرى آخرون من الفقه بأن الغير المقصود في السبب الأجنبي ضمن نطاق المسؤولية المدنية عن الأشياء الى انه:
” كل شخص غير المتضرر نفسه وغير حارس الشيء سواء الحيوان او البناء فالغير كل شخص مسؤول عنه الحارس أي من لا يمت بصلة الى المدعى عليه بان يكون مكلف بواجب الرقابة عليه (ولي – وصي – قيم)”
(أنظر مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، د. أنور سلطان، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1987، ص 343).
فالحادث لا يعتبر ناتجاً عن فعل الغير اذا كان قد حصل من فعل القاصر الذي هو تحت ولاية حارس السيارة او عن فعل التلميذ،
او ان يكون هذا الشخص تابعا له (صاحب العمل) فهؤلاء جميعا لا يطبق عليهم وصف الغير الأجنبي الذي يكون فعله سبباً اجنبياً في المسؤولية المدنية.
محامي مدني في الأردن
يتض من خلال تعريف الفقه للغير الذي يعتبر فعله سبب اجنبي ان ذناك اتجاهين:
الاتجاه الأول يذهب الى التضييق من دائرة الغير لتشديد مسؤولية الحارس من خلال التضييق من فرص الانفاء حيث يعتبر ان كل من المدعي والمدعى عليه والمضرور يعتبرون من الغير الأجنبي،
بينما حارس الشيء لا يمكن ان يستفيد من الانفاء اذا كان الفعل قد وقع من احد الأشخاص الذين يسال عنهم او الذين لا يكونوا أجانب عن المخاطر التي يتحملها، وعليه فان كل تابع المسؤول او ابنه او تلميذه من الغير.
محامي حقوق مدنية
اما الاتجاه الثاني فيذهب الى التوسع في تحديده للغير لتخفيف المسؤولية فيقرر بان كل شخص غير الحارس نفسه،
وذلك على أساس ان ثبوت خطأ الغير أياً كان يدل على ان الضرر لا يرجع الى شيء والاثر يترتب اياً كانت صفة الغير الذي يستند عليه الحارس.
وأتجه بالرأي إلى الاتجاه الذي يعرف الغير الذي يعتبر فعله سبباً أجنبياً أنه كل شخص يكون اجنبياً عن المدعي والمدعى عليه ولا تربطه به أي سلطة او اشراف او توجيه او تبعية باي صورة.
محامي حقوق مدنية
ثانياً: تحديد الغير وصفة فعله:
يتطلب بيان فعل الغير الذي يعتبر احد صور السبب الأجنبي تعيينه بشكل دقيق لما لمصطلح الغير من معانٍ واسعة وبالأخص في نطاق القانون المدني،
وقد تناول الفقه هذا الامر وهو ما سنناقشه في هذا البند في الفقرات التالية: الأولى تحديد فعل الغير، والثانية هل يشترط الخطأ في فعل الغير؟ والقالثة شروط فعل الغير.
– تحديد فعل الغير:
بالنسبة للتشريعات العربية لم أجد نص يشير الى شرط ان يكون الغير محدوداً ومعلوما حتى يعتبر فعله سبباً اجنبياً يعفيه من المسؤولية المدنية،
اما الفقه فقد اختلف في ضرورة وجود شرط التحديد من عدمه لاعتبار فعل الغير سبباً اجنبياً مانع من تحقق المسؤولية المدنية التقصيرية،
حيث يذهب اتجاه الى انه يشترط ان يكون شخص الغير معيناً ومعلوماً حتى يقبل دفع المدعى عليه لإنفائه من المسؤولية،
فلا يكون فعل الغير سبباً اجنبياً اذا لم يحدد هذا الغير لعدم إمكانية اعتبار ذلك الغير اجنبياً بشكل قاطع وجازم.
(أنظر المسؤولية المدنية في القانون المصري، د. مصطفى مرعي، ج2، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1944، ص 143)،
ويبرر أانصار هذا الاتجاه شرط التحديد الى القول انه:
“إذا كان فعل الغير خاطئا فيتطلب من المدعى عليه للتخلص من المسؤولية ان يقوم بتحديد الغير بشكل تام نافياً للجهالة بتعيينه بالذات بما يسهل أمر التعرف عليه وهذه الأهمية للتحديد هي للتأكد من أن الغير فعلاً اجنبي عن المدعى عليه،
أما اذا كان الفعل غير خاطئ فلا يشترط على المدعى عليه للتخلص من المسئولية ان يقوم بتحديد شخص الغير الذي اسند اليه وقوع الضرر ويكفي فقط أن يثبت أن الفعل قد وقع من الغير.
(أنظر الإعفاء من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، د. إبراهيم الدسوقي، دار النهضة العربية، الإسكندرية، 1975، ص 206).
محامي مدني في الأردن
هناك اتجاه آخر من الفقه يذهب الى القول انه:
“لا داعي لاشتراط تعيين شخص الغير كما لو هرب دون معرفة وعلم المدعى عليه ويبقى واجباً عليه ان يثبت اركان السبب الأجنبي من انتفاء توقع الفعل وانتفاء تلافيه حتى ولو كان الغير تابعاً للمدعى عليه.
(أنظر المسؤولية عن الأشياء وتطبيقاتها على الأشخاص المعنوية بوجه خاص – دراسة مقارنة، د. إياد عبد الجبار ملوكي، دار الثقافة والنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص 225).
ويذهب جانب آخر من الفقه الى ان أمر تحديد شخص الغير من عدمه يتطلب تحقق أمرين:
أولهما أن فعل المدعى عليه هو السبب الوحيد الذي أحدث الضرر فعندها يشترط تعيين الغير، وثانيهما اذا لم يستقل فعل الغير في تحقق الضرر فيتطلب الامر تعيين الغير.
(أنظر المبسوط في المسؤولية المدنية، د. حسن علي دنون، دار وائل للنشر، عمان، 2008، ص 108).
محامي مدني في الأردن
وهناك رأي يقف وسطاً بين شرط التحديد من عدمه لاعتبار فعل الغير سبباً اجنبياً ينفي المسؤولية عن المدعى عليه،
هو ان يكون هذا الغير محدداً لكن ليس الى مستوى تحديده بشكل دقيق ونافي للجهالة والاكتفاء فقط بوجوده فعلا.
(أنظر المسؤولية المدنية عن الأخطاء المهنية، د. عاطف النقيب، ط1، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ص 359).
محامي حقوق مدنية
لكن الغالبية العامة من الفقه يذهب الى القول بانه لا يشترط لاعتبار الغير اجنبياً حيث يستطيع المدعى عليه التمسك بفعله للتخلص من المسؤولية،
وانما يتم التركيز على ركن الضرر الذي تحقق للمدعي نتيجة شخص ثالث اجنبي دون الاعتداد بشخص مرتكب الفعل الضار وانما على اثبات وقوع الفعل من هذا الشخص الأجنبي.
(أنظر الإعفاء من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، د. إبراهيم الدسوقي، دار النهضة العربية، الإسكندرية، 1975، ص 207).
محامي حقوق مدنية
وبرأيي الشخصي فإنني أتفق مع الاتجاه الفقهي الذي يذهب اتجاه الى انه يشترط ان يكون شخص الغير معيناً ومعلوماً حتى يقبل دفع المدعى عليه لإنفائه من المسؤولية،
فلا يكون فعل الغير سبباً اجنبياً اذا لم يحدد هذا الغير لعدم إمكانية اعتبار ذلك الغير اجنبياً بشكل قاطع وجازم، وأجد أن هذا الاتجاه ينسجم مع غاية المشرع الأردني بحماية المضرور بتوفير أساس الضمان مباشرة عما لحقه من ضرر.
محامي حقوق مدنية
– هل يشترط الخطأ في فعل الغير:
اختلفت التشريعات المدنية العربية في ضرورة تحقق صفة الخطأ في فعل الغير من عدمه لاعتباره سبباً اجنبياً،
فالبعض من التشريعات العربية استعملت عبارة (فعل الغير) ومنها المشرع الأردني حيث نصت المادة (261) من القانون المدني على أنه:
(اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او خطأ المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك).
ومثله القانون الكويتي والقانون السوداني والقانون الإماراتي والقانونالعراقي، والبعض الاخر استعملت عبارة (خطأ الغير) ومنها القانون المصري حيث نصت المادة (165) منه على:
“إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك).
ومثله القانون السوري والقانون الليبي والقانون القطري و القانون الفلسطيني والقانون البحريني.
من حيث المقارنة بين تلك المجموعتين من القوانين العربية يتبين ان الاختلاف ورد في لفظ (فعل) ولفظ (خطأ) وهذا يحمل مدلولاً يختلف في التفسير،
حيث ان المشرع المصري والتشريعات المشابهة ركزت على فكرة الخطأ باعتباره صفة للغير وعدم إمكانية اعتبار فعله سبباً اجنبياً دون تحققه،
وهذا الامر دفع الفقه لاشتراط تحديد الغير لاعتباره اجنبياً لانتفاء المسؤولية عن المدعى عليه انطلاقاً من مدلول هذا النص،
وما يستتبع من ضرورة اثبات الضرر يرجع الى خطأ الغير لتحقق ركن السببية في المسؤولية المدنية ومن ثم انتفاء مسؤولية المدعى عليه.
(أنظر المسؤولية عن الأشياء وتطبيقاتها على الأشخاص المعنوية بوجه خاص – دراسة مقارنة،
د. إياد عبد الجبار ملوكي، دار الثقافة والنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص 228،
ويبرر انصار اشتراط الخطأ لفعل الغير لاعتباره اجنبياً معفي لمسؤولية المدعى عليه باعتباره السبب الوحيد لإحداث الضرر مما يؤدي الى انقطاع نلاقة السببية حكماً.
(أنظر المبسوط في المسؤولية المدنية، د. حسن علي دنون، دار وائل للنشر، عمان، 2008، ص 108).
محامي مدني في الأردن
لكن هذا الرأي يصطدم في حالة ان خطأ الغير الأجنبي الوحيد لإحداث الضرر مع حالة وجود أسباب أخرى،
كفعل المدعى عليه او خطأ المضرور فيذهب بعض من الفقه الى اشتراط خطأ الغير لانتفاء المسؤولية والسببية عنه بينما البعض الاخر لا يشترط الخطأ في فعل الغير لتحقق الضرر يمكن ان يعفى المدعى عليه بشكل جزئي.
(أنظر الإعفاء من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، د. إبراهيم الدسوقي، دار النهضة العربية، الإسكندرية، 1975، ص 210).
وأعتقد أن التشريعات التي أوردت عبارة فعل الغير وليس خطئه انما لتأثرها بالفقه الإسلامي باعتبار ان الفعل الضار فعل غير مشروع لقوله (صلى الله عليه وسلم):
“لا ضرر ولا ضرار” لذلك جعله المشرع سببا لضمان ما يترتب عليه من تلف، فان الفعل ان كان مؤديا الى ضرر في ذاته استوجب ضمان ما يترتب عليه من تلف لأنه يكون محظوراً بالنظر الى نتائجه فتقع تبعته على فاعله،
فان كان فاعله عديم الاهلية لم يؤثر ذلك في انه فعل ترتب عليه ضرر بالغير اوجب الشارع رفعه للحديث الشريف وذلك يوجب رفع الضرر مطلقا ولا سبيل لرفعه الا بإيجاب الضمان في حال الفاعل سواء وصف فعله بالخطأ ام لا،
فمسؤولية من يضر بغيره مسؤولية مالية أي ضمان في الفقه الإسلامي لا تقوم على الخطأ بل على الضرر لذلك لا يشترط فيها ان يكون مرتكب الفعل الضار مميزاً،
حيث لا يميز الفقه الإسلامي بين المميز وغير المميز فكلاهما مسؤول في ماله اذا اتلف مال آخر بمعنى عدم اشتراط الخطأ لقيام مسؤولية الفاعل.
محامي مدني في الأردن
وعلى كل حال فإن الغالبية من الفقه الذي يشترط الخطأ في الغير يذهب الى اعتبار ان مسالة عدم اشتراطه في فعل الغير والاكتفاء بوقوع الفعل الذي لا خطأ فيه هو الأقرب الى الصواب،
ولا يعتبر تعارضاً مع نص المادة 165 من القانون المدني المصري ولا صحة لمن يعتبره تعارضاً لأن النص على الخطأ في المادة المذكورة تندرج ضمن قسم المسؤولية عن الاعمال الشخصية،
فمن غير الممكن القول عن تحقق الخطأ في المسؤولية عن الأشياء (أنظر الإعفاء من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات.
د. إبراهيم الدسوقي، دار النهضة العربية، الإسكندرية، 1975، ص 211).
فالاستناد لفعل الغير بدون الخطأ باعتباره سبباً اجنبياً يعفي المدعى عليه من المسؤولية هو امر مقبول.
(أنظر المسؤولية عن الأشياء وتطبيقاتها على الأشخاص المعنوية بوجه خاص – دراسة مقارنة، د. إياد عبد الجبار ملوكي، دار الثقافة والنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص 227).
محامي مدني في الأردن
وأرى بالنتيجة أن التشريعات المذكورة آنفا التي تستعمل عبارة (فعل الغير).
ومنها التشريع الأردني هي الأقرب الى الصواب من القوانين التي تستعمل عبارة (خطأ الغير).
في الغير لتقرير مسؤولية الغير لأن العبرة بمدى تسبب الفعل في إحداث الضرر وليس بوصفه خاطئ ام لا،
من جانب آخر فإن انتفاء المسؤولية التقصيرية لانتفاء ركن السببية لا تشترط الخطأ في فعل الغير لتحققها وإنما تتوقف على ما يقع من ضرر لفعل الغير موصوف بالخطأ ام غير موصوف وهي ما تبحث ضمن ركن السببية وليس في ركن الخطأ.
محامي مدني في الأردن
من جانب آخر أنه في حالة تعدد المسؤولين عن الضرر مع الغير فإنه يكون سبباً اجنبياً عن المدعى عليه سواء كان قد اشترط صفة الخطأ في فعله ام لا بمجرد توافر ركنا السبب الأجنبي فيه وهو انتفاء الاسناد والخارجية،
وان الزام توفر الخطأ في فعل الغير يحمل المدعى عليه المسؤولية الكاملة اذا اشترك مع فعل الغير الذي لا خطأ فيه في إحداث الضرر،
وبالتالي يكون المدعى عليه الوحيد الذي يتحمل المسؤولية بحجة ان فعل الغير لم يكن خاطئ وهذا أمر يجافي العدالة لأن المرء يسال عن افعاله لا أفعال غيره.
– شروط فعل الغير:
يعتبر فعل الغير أحد صور السبب الأجنبي وبالتالي يتطلب شروط يذهب الفقه في معرض الحديث عن حكم فعل الغير باعتباره أحد صور السبب الأجنبي الذي ينفي المسؤولية عن الضرر بشكل كلي او جزئي عن المدعى عليه بأنه:
“كل فعل او حادث معين لا ينسب الى المدعى عليه ويكون قد جعل وقوع العمل الضار مستحيلاً، وكان غير متوقع ولا يمكن تلافيه (أنظر الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات.
د. سليمان مرقص، مطبعة مصر الجديدة، ج2، ط5، مصر 1988، ص 498).
يتضح مما تقدم ان الفقه يتطلب في فعل الغير لكي يعتبر سبباً اجنبياً يعفي المدعى عليه من المسؤولية التقصيرية توافر شرطين:
أولهما وجود العلاقة السببية بين الضرر الواقع على المدعي وبين الغير الذي يعتبر فعله سبباً اجنبياً وانتفاء اسناد الضرر الى المدعى عليه.
وثانيهما توافر اركان السبب الأجنبي العامة في فعل الغير وهي عدم إمكانية التوقع واستحالة تفادي الضرر بحيث لا يمكن دفعه.
محامي حقوق مدنية
وفيما يتعلق بالشرط الأول المتعلق بتوافر السببية وانتفاء الاسناد يعتبر شرطاً بديهياً لاعتبار فعل الغير سبباً اجنبياً:
فلا يمكن الاستناد لفعل الغير من قبل المدعى عليه بدون وجود ما يربط بين فعله وبين الضرر.
(أنظر القانون المدني – المسؤولية المدنية، ج2، د. مصطفى العوجي، مؤسسة يحسون، بيروت، 1996، ص 608).
ونفس الحال في مسالة نفي الاسناد من حيث عدم إمكانية المدعى عليه الادعاء بفعل الغير لنفي المسؤولية عنه اذا صدر الفعل منه وحده.
(أنظر المبسوط في المسؤولية المدنية، د. حسن علي دنون،
دار وائل للنشر، عمان، 2008، ص 182،
فإن انتفت العلاقة السببية بين فعل المدعى عليه وبين الضرر بشكل مؤكد فيكون عندها فعل الغير الوحيد لتحقق الضرر وبنفس الوقت يجب انتفاء الاسناد من جهة المدعى عليه وثبوته في جانب الغير.
(أنظر الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات، د. سليمان مرقص، مطبعة مصر الجديدة، ج2، ط5، مصر 1988، ص 498).
محامي حقوق مدنية
اما الشرط الثاني وهو انتفاء التوقع وعدم إمكانية الدفع التي هي من شروط السبب الأجنبي بشكل عام فهو مثار خلاف بين الفقه:
وقبل الولوج في عرض الاختلاف الفقهي يتطلب الامر توضيح هاتين الصفتين التي تعتبر من صفات السبب الأجنبي بوجه عام التي تتطلب تحققها في صوره من القوة القاهرة والحادث الفجائي:
أولاً: الحادث غير متوقع:
هو الحادث الذي لا يتوقع عادة فمثلاً عند السفر في ظروف جوية طبيعية حسنة في رؤية واضحة لا يتوقع بالنظر الى هذه الظروف سقوط جذوع أشجار في الطريق،
بعكس ما اذا كان الجو عاصفاً مع رياح قوية وفق المنطق يتوقع ان تسقط شجرة او عدة أشجار فيصبح الامر متوقع ينفي قيام السبب الأجنبي ويغدو عدم إمكان التوقع تقديراً مجرداً لا شخصياً.
(أنظر الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني المصري – مصادر الالتزام، د. محمود جمال الدين زكي، 1968، ص 172).
وهذا على معيار الرجل العادي متوسط الحيطة والحزم فلا يستفيد تبعا لذلك انه لم يدخل في حساب المدعى عليه بل انه غير ممكن التوقع بالاستناد الى رب الاسرة الصالح.
(أنظر شروط المسؤولية المدنية في القانون التونسي، د. سامي الجربي، ط1، مطبعة التسفير الفني، تونس، 2011، ص 518).
وعدم إمكانية التوقع للحادث او الواقعة لتحقق السبب الأجنبي لا يعني ابداً ان كل الأمور يمكن توقعها وحدوثها بمجرد احتمالات التوقع الغامضة،
او النادرة والقول بخلاف ذلك يعد اغراقا في الجانب النظري الذي يستحيل معه تصور السبب الأجنبي عملياً.
(أنظر سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية، د. نبيل إسماعيل، ط4، منشأة المعارف، الإسكندرية، بند 271، ص 306).
ثانياً: شرط استحالة الدفع او التغلب عليه:
يلزم لتحقق السبب الأجنبي ان يكون الحادث او الواقعة مستحيل الدفع، فان كان بالإمكان التخلص منه من قبل المدعى عليه فلا يعتبر سبباً اجنبياً حتى مع استحالة توقعه،
والاستحالة التي يقصد منها في هذا الموضع هي الاستحالة المطلقة وليس بشكل نسبي يقتصر على الغير،
ويستوي ان تكون الاستحالة مادية او معنوية وفي جميع الأحوال يبقى للقاضي السلطة التقديرية لتحديد نوع الاستحالة.
(أنظر الوسيط في شرح القانون المدني، د. عبد الرزاق السنهوري، ج2، نظرية الالتزام بوجه عام الاثبات – مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص 879).
محامي حقوق مدنية
ويقدر شرط عدم امكان دفع الحادث بمعيار موضوني لا عبرة فيه بشخص المدعى عليه وظروفه الخاصة،
فلا ينظر فيه الى مركز المدعى عليه الذي يدعي عدم تمكنه من دفع الحادث الذي لحق به،
بل ينظر الى الشخص العادي لو كان في مثل ظروف المدعى عليه هل كان يستحيل عليه التغلب على هذا الحادث او يتفادى اثاره،
ومن ثم فان عدم امكان الدفع قد لا يتوافر رغم تحققه في حق المدعى عليه شخصياً مادام انه غير متوافر للشخص العادي ان وجد في مثل ظروف المدعى عليه.
(أنظر الوسيط في النظرية العامة للالتزامات، الكتاب الأول، المصادر الإرادية للالتزام، د. حمدي عبد الرحمن، دار النهضة العربية، ط1، 1999، ص 556).
محامي حقوق مدنية
يذهب الفقه في لزوم تحقق شرط عدم إمكانية الدفع واستحالة الدفع من عدمه الى افتراض امرين:
الأول افتراض ان مسؤولية المدعى عليه مسؤولية غير مفترضة وهي التي يتوجب على صاحبها (المدعي) ان يثبت عناصر المسؤولية المدنية وهي الضرر والفعل الضار والعلاقة السببية،
فيكون واجب على المدعى عليه في هذا الصدد ان يثبت تحقق صفتي عدم إمكانية التوقع واستحالة الدفع.
اما الافتراض الثاني فيذهب الفقه الى حالة ان مسؤولية المدعى عليه مفترضه بحكم القانون وهي التي لا يتطلب فيها من صاحبها (المدعي) اثبات اركان المسؤولية المدنية والاكتفاء بإثبات الضرر والعلاقة السببية،
ففي هذا الفرض يكون المدعى عليه ملزم باثبات توافر صفتي عدم إمكانية التوقع واستحالة الدفع.
(أنظر المبسوط في المسؤولية المدنية، د. حسن علي دنون، دار وائل للنشر، عمان، 2008، ص 184).
وأتفق مع الاتجاه الذي يتطلب توافر صفتي السبب الأجنبي التي يتطلبها بشكل عام في جميع صوره من عدم توقع واستحالة الدفع لانهما شروط أساسية بدونهما لا يمكن الحديث عن وجود سبب اجنبي،
فلا يستطيع المدعى عليه التخلص من المسؤولية بمجرد نفي العلاقة السببية بينه وبين الضرر،
وانما يلزم ان تتوافر في فعل الغير ما يتطلبه القانون بوجه عام من عناصر السبب الأجنبي وتطبيقها على فعل الغير فهما شرطان متلازمان لا يمكن تجزئتهما للتخلص من المسؤولية،
وهذا ما يؤكده الاتجاه الحديث للفقه الذي يعرف فعل الغير الذي يعتبر سبباً اجنبياً بانه كل فعل لا يمكن توقعه او دفعه يصدر عن شخص اجنبي غير مكلف بتنفيذ التزام المدعى عليه او ممارسة حق من حقوقه،
ولم يكن المدعى عليه مسؤولاً عنه بمقتضى القانون.
(أنظر المسؤولية التقصيرية في القوانين المدنية العربية، د. عصمت عبد المجيد بكر، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2016، ص 279).
ثانياً: أثر فعل الغير باعتباره سبباً أجنبياً لانتفاء مسؤولية المدعى عليه:
يقصد من فعل الغير الذي يعتبر سببا اجنبيا مانعاً من المسؤولية المدنية وجود طرف ثالث له الدور في إحداث الضرر الواقع على المضرور،
ويستطيع بموجبه المدعى عليه ان يحتج بهذا الفعل للتخلص من المسؤولية بشكل كلي او جزئي،
فقد يكون هذا الفعل مستغرقا لفعل المدعى عليه ويشكل لوحده رابطة سببية ونتيجة وحيدة للضرر او يشترك مع فعل المدعى عليه واخرين وله دور في تحقق الضرر،
لذلك سننلقش في هذا الأثر المترتب لفعل الغير على المسؤولية المدنية التقصيرية للمدعى عليه من خلال فرعين:
الأول الانفاء الكلي من المسؤولية، والثاني الانفاء الجزئي من المسؤولية.
الفرع الأول: الاعفاء الكلي من المسؤولية التقصيرية:
من اهم الاثار التي تترتب على تحقق السبب الأجنبي والتي من صوره (فعل الغير) والتي تمس المدعى عليه هي اعفائه بشكل تام من المسئولية المدنية وهو الامر الذي اشارت اليه اغلب القوانين المدنية.
اشار المشرع الأردني في المادة 261 من القانون المدني على انه:
(اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق نلى غير ذلك)،
وبنفس الصدد أشار المشرع المصري في المادة 165 من القانون المدني على انه:
(إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يدّ له فيه، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك).
من الممكن ان يكون فعل الغير السبب الوحيد للضرر بان يقطع العلاقة السببية بين فعل المدعى عليه وبين الضرر،
فإن المسؤولية لا تقع على المدعى عليه برغم اسهامه في تحقق الضرر فيكون الحق للمضرور بالرجوع بالضمان كاملاً على هذا الغير كما لو دس (أ) السم لـ (ب) وقبل ان يسري مفعوله أصابه (ج) بطلق ناري فهنا تنهض مسؤولية (أ) لكن (ج) المسؤول الوحيد عن الضرر،
وقد لا يؤثر فعل الغير على فعل المدعى عليه بأن لا يقطع علاقة السببية بين فعل المدعى عليه وبين الضرر،
فتبقى مسؤولية المدعى عليه في هذه الحالة كاملة كما لو أصاب شخص آخر بطلق ناري،
واهمل الطبيب في علاج المصاب ثم حصلت الوفاة ثم تبين من الكشف الطبي ان سبب الوفاة الرصاصة،
والتي يستحيل معها منع الوفاة بأي علاج فيكون المدعى عليه في هذا المثال مسؤول بشكل كامل دون اثر لفعل الغير،
ويشترط القضاء لإعفاء المدعى عليه بشكل تام من المسؤولية التقصيرية ان يكون فعل الغير الذي يعتبر سببا اجنبيا انه الوحيد لإحداث الضرر باستغراقه فعل المدعى عليه لتحقق الضرر وان لا يكون بالإمكان توقعه او تفاديه.
محامي مدني في الأردن
فالمشرع المصري يفترض في هذا الامر ان هناك فعل صادر من اكثر من شخص وهو المدعى عليه والغير وهذا الفعل يتصف بانه فعل خاطئ،
باعتباره انحراف في السلوك عن معيار الرجل المعتاد وبما يحقق الضرر،
وكان احد الخطأين يستغرق الاخر فيعتبر الخطأ المستغرق بانه الوحيد المسبب بوجود الضرر،
فان استغرق خطأ المدعى عليه خطأ الغير اعتبر المدعى عليه المسؤول الوحيد عن إيقاع الضرر بشكل كامل،
ولا أهمية لما وقع من خطأ الغير، بينما اذا استغرق خطا الغير خطأ المدعى عليه،
فان الأول يتحمل المسؤولية بشكل تام ولا اعتبار لما وقع من خطأ المدعى عليه يوجب المسؤولية،
ويستغرق احد الخطأين الآخر عندما يكون الخطأ متعمداً او كان هو الدافع الى وقوع الخطأ الآخر،
وينبغي ان لا يكون الغير من الأشخاص اللذين يسأل عنهم المدعى عليه او بالأحرى أن لا يكون المدعى عليه في مركز المتبوع او مكلف بالرقابة تجاه الغير.
(أنظر الموجز في النظرية العامة للالتزام، د. أنور سلطان، ص 362).
محامي مدني في الأردن
المشرع الأردني في المادة 261 من القانون المدني اعفى المدعى عليه من أي مسؤولية بالضمان ولو كان هناك ضرراً محققا طالما ان المدعى عليه،
قد تمكن من اثبات ان الضرر الحاصل كان نتيجة فعل الغير الذي هو بحد ذاته يعتبر سبباً منتجاً وكافياً لإحداث الضرر والنتيجة المتوقعة عند تحققه بقطع العلاقة السببية بين فعل المدعى عليه وضرر المدعي،
ومما يستتبعه من انتفاء المسؤولية المدنية (أنظر المسؤولية التقصيرية في القوانين المدنية العربية، د. عصمت عبد المجيد بكر، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2016، ص 279).
الفرع الثاني: الاعفاء الجزئي من المسؤولية التقصيرية:
من الممكن ان لا يكون فعل الغير السبب الوحيد لتحقق الضرر للمدعى في المسؤولية المدنية وانما قد يشتراك في إيقاع الضرر المدعى عليه أيضاً،
وان كلا الفعلين مسبب مستقل للضرر،
وقد ينضم اليهما أيضاً المضرور نفسه فهل يمكن ان يستفيد المدعى عليه من فعل الغير في نفي مسؤوليته تجاه المدعي؟
للإجابة عن هذا التساؤل يتطلب الامر مناقشة أمرين: الأول اشتراك فعل الغير الى جانب فعل المدعى عليه،
والثاني اشتراك فعل الغير الى جانب فعل المدعي وفعل المدعى عليه.
الأمر الأول: اشتراك فعل الغير الى جانب فعل المدعى عليه:
نصت المادة 265 من القانون المدني الأردني على انه:
(اذا تعدد المسؤولين عن فمل ضار، كان كل منهم مسؤولاً بنسبة نصيبه فيه وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو التضامن والتكافل فيما بينهم)،
وبنفس الصدد أشار المشرع المصري في المادة 169 من القانون المدني على انه:
(إذا تعدد المسئولون عن فمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي، إلا إذا عيّن القاضي نصيب كل منهم في التعويض).
محامي مدني في الأردن
الفرض في هذا الموضوع أن الضرر الذي لحق بالمضرور كان نتيجة فعل المدعى عليه وفعل الغير، إلا أنه لم يستغرق احد الفعلين الآخر،
حيث عالج النصان السابقان هذا الامر بأنه اذا تعدد المسؤولين عن فعل ضار أي إذا اشترك فعل المدعى عليه وفعل الغير في احداث الضرر وثبتت العلاقة السببية،
فكان للضرر سببان واعتبر كل من المدعى عليه والغير مسؤولين بنسبة نصيب كل منها بالضرر،
لكن النص الأردني أجاز للمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهما اتجاه المضرور،
على ان يكون كل من الفعلين مستقل عن الآخر،
بمعنى أن يكون كل منهما مسؤولاً بقدر الفعل المرتكب من قبله وفي حالة تعذر الوصول الى معرفة ذلك،
فإن للمحكمة ان تقضي بالتساوي بينهما في ضمان المتضرر عما لحقه من ضرر.
محامي مدني في الأردن
على انه يوجد بين النصين فارق يتمثل بان الأصل في القانون المدني الأردني،
هو تحديد نصيب كل واحد من المسؤولين بمقدار مساهمة كل واحد بفعلة في وقوع الضرر،
وعند التعذر يصار الى توزيع الضمان بالتساوي بينهما، اما في النص المصري،
فالأصل الذي قرره المشرع توزيع التعويض بينهما بالتساوي والاستثناء هو تحديد نصيب كل واحد منهم في التعويض.
محامي مدني في الأردن
وأرى أن التقسيم الوارد في القانون الأردني قي توزيع المسؤولية ابتداء لمقدار حصة ومساهمة ونصيب كل واحد من المسؤولين بالضمان عن وقوع الضرر،
فإن تعذر فانهم يعتبرون مسؤولين بالتساوي أو تقرر المحكمة تضامنهم وتكافلهم بالضمان اتجاه المضرور،
هو تقسيم منطقي ويماشي مبادئ العدالة فليس من الصواب ان يتحمل الشخص المسؤولية الكاملة عن فعل غيره حتى وان كانت مساهمته بوقوع الضرر جسيمة،
فان تعذر تحديد نصيب كل مسؤول عن الضرر يصار عندها الى التساوي أو التضامن والتكافل بينهما.
وخلاصة القول انه يشترط لتطبيق المادة أعلاه ولقيام التضامن بين المسؤولين ان تتوافر ثلاث شروط هي:
محامي حقوق مدنية
أولاً: ان يكون كل من فعل المدعى عليه وفعل الغير فعل شخصي فلا يسأل عنه الا الشخص الذي ارتكبه فلا يتعدى بنتائجه الى الورثة بعد وفاته.
ثانياً: ان يكون كل من هذه الأفعال قد ساهمت في احداث الضرر بغض النظر عن نسبة اشتراكهم فيه.
ثالثا : ان يكون الضرر المطلوب الضمان عنه هو نفسه الضرر الذي نتج عن فعل كل منهما أي وحدة الضرر الواقع من أفعال الاخرين وعكس ذلك لا يتحقق التضامن في المسؤولية.
وبرأيي الشخصي أنه لا يجوز للمضرور وفق النص السابق ان يرجع على أي من المدعى عليه او الغير بالضمان كاملاً باعتبارهما متضامنين اتجاهه،
لأن التضامن جاء فرض لاحق لتحقق مسؤولية كل منها بنسبة نصيبه.
الفرع الثاني : اشتراك فعل الغير مع فعل المضرور وفعل المدعى عليه:
اشارت المادة 264 من القانون المدني الأردني إلى انه:
(يجوز للمحكمة ان تنقص مقدار الضمان او أن لا تحكم بضمان ما اذا كان المتضرر قد اشترك بفعله في احداث الضرر او زاد فيه).
وبنفس الصدد المادة 216 من القانون المدني المصري التي نصت على انه:
(يجوه للقاضي أن يُنقص مقدار التعويض أو ألا يحكم بتعويض فيما إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه).
والفرض في هذا الموضوع أنه قد يساهم في احداث الضرر اكثر من شخص مع فعل الغير كالمضرور نفسه والمدعى عليه،
ففي هذه الحالة توزع المسؤولية بين المضرور والغير والمدعى عليه بالتساوي فكل واحد من هؤلاء ملزم بثلث قيمة الضمان.
فملخص هذا الموضوع ان هناك ثلاثة أفعال أدت مجتمعة الى وقوع الضرر الذي أصاب المدعي وهي: فعل المدعى عليه، وفعل الغير، وفعل المضرور (المدعي).
مكتب العبادي للمحاماة
التواصل معنا يكون من خلال موقعنا الالكتروني هذا، أو بواسطة الواتس آب،
أو من خلال الإتصال بنا هاتفيا على أرقام الهواتف التالية.
راسلنا من خلال البريد الالكتروني المدرج على موقعنا:
الأردن ، عمان ، العبدلي ، شارع الملك حسين، مجمع عقاركو التجاري، الطابق رقم 4، مكتب رقم 4.
تواصل معنا من خلال رقم هاتف مكتب العبادي للمحاماة:
798333357 00962 / 0799999604 / 064922183