تفسير العقود | الإرادة الظاهرة والباطنة
محامي عقود في الاردن
حدود إعمال الإرادتين الظاهرة والباطنة في تفسير العقد في القانون الأردني:
دراسة تحليلية:
يتناول هذا البحث مسألة تفسير العقود في القانون المدني الأردني، من خلال تحليل موقف المشرع الأردني تجاه الإرادتين الظاهرة والباطنة
ومدى رجحان إحدى النظريتين على الأخرى عند نشوء خلاف في تفسير مضمون العقد.
أولا: الإطار العام للمشكلة:
لا يظهر أن المشرع الأردني قد تبنى بشكل قاطع نظرية الإرادة الظاهرة (الموضوعية) أو نظرية الإرادة الباطنة (الشخصية) على إطلاقها.
لكن، من خلال نصوص القانون المدني، يبدو أن المشرع يعتد بالإرادة الظاهرة كأصل عام في تفسير العقود
ويجيز اللجوء للإرادة الباطنة فقط في حالات استثنائية، كأن يكون نص العقد غامضاً أو متناقضاً.
ثانيا: موقف القضاء الأردني من اعمال الاردتين الظاهر والباطنة في نفسير العقود:
في قرار صادر عن محكمة التمييز الأردنية، تناولت المحكمة تفسير اتفاقية أتعاب محاماة ورد فيها نص غامض حول نسبة الأتعاب المستحقة.
رغم أن ظاهر النص كان يحتمل أكثر من معنى، إلا أن المحكمة تمسكت بالإرادة الظاهرة وعدّتها واضحة
رافضة استخدام الوسائل الخارجية للكشف عن النية الحقيقية للمتعاقدة، ما أثار انتقاد الباحثين.
فقد رأوا أن المحكمة بدأت بمنهج سليم، لكنها لم تستكمل طريق التفسير المنطقي الذي كانت قد شرعت فيه، وانتهت بنتيجة لا تتماشى مع ما بدأته.
ثالثا: تحليل موقف المشرع:
يرى الباحثان أن المشرع الأردني، لطالما كان متأثراً بالفقه الإسلامي وخاصة الحنفي، والذي يتبنّى نظرية الإرادة الظاهرة كأصل عام.
وقد عزز هذا الاتجاه بنصوص مثل المواد 213، 215، 216، 218 و239 من القانون المدني، والتي تؤكد أن العقد شريعة المتعاقدين
وأن العبرة باللفظ الظاهر لا بالنوايا الداخلية، وأنه لا يجوز تأويل النصوص الواضحة.
ومع ذلك، أتاح القانون – من خلال الفقرة الثانية من المادة 239 – الرجوع إلى النية المشتركة للمتعاقدين
عندما تكون عبارات العقد غير واضحة أو غير كافية لتفسير الإرادة الظاهرة، مع مراعاة حسن النية والعرف الجاري في المعاملات.
رابعا: الفقه الإسلامي كمصدر للتفسير:
بالمقارنة بين المذهبين في الفقه الإسلامي: نتوصل أن المذهب الحنبلي يميل إلى الإرادة الباطنة، والحنفي يعتد بالإرادة الظاهرة.
كما وأن غالبية الفقه الإسلامي تميل إلى الظاهر حمايةً لاستقرار المعاملات
إلا في حالات يكون فيها التعبير مشوبا بغموض أو يتنافى مع النية الواضحة المثبتة بقرائن خارجية.
المذكرات الإيضاحية حول إعمال الإرادة في تفسير العقود:
انعقاد العقد، نظرة عامة.
التعبير عن الارادة:
ترتكز نظرية العمل القانوني في هذا المشروع على الارادة الظاهرة اي على التعبير عن الارادة
لا على الارادة الباطنة فالعقد لا يتم بمجرد توافق الارادتين ولكن عند تبادل التعبير عن ارادتين متطابقتين
ثم تناول المشروع صيغ التعبير عن الارادة وهو على اية حال لا يشترط فيه شكل خاص ما لم يقرر القانون اوضاعا معينة لانعقاد العقد.
ثم تكلم على خيار الموجب في الرجوع عن الايجاب وخيار الموجه اليه الايجاب في القبول او الرفض
وخيار المجلس وعلى تكرار الايجاب والتزام بايجابه اذا حدد ميعادا للقبول.
الايجاب والقبول:
يتم العقد بالايجاب والقبول ولابد ان يكونا متطابقين على انه في حالة الاتفاق على المسائل الجوهرية فان العقد يتم
ويتولى القاضي امر البت في المسائل التفصيلية التي ارجىء الاتفاق عليها.
وهذا من شأنه ان يوسع من سلطة القاضي، فلا تكون مهمته مقصورة على تفسير ارادة المتعاقدين
تفسير العقود
بل هو قد يستكمل ما نقص منها، وفيما بين الغائبين سلك المشروع مسلك الفقه الحنفي الذي يجعل العقد يتم بمجرد القبول
وعرض لحكم التعاقد بالتليفون، اما القبول فقد عرض المشروع لبعض صوره فاعتبر السكوت قبولا في بعض الفروض
وعلق القبول في العقد الذي يتم من طريق المزايدة على رسو المزاد واخيرا عرض المشروع لعقد الاذعان حيث يكون القبول مقصورا على مجرد التسليم
بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها، وبهذا النص يكون المشروع قد اعتبر تسليم العاقد ضربا من ضروب القبول
ومع ذلك فقد وضع المشروع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود افرد لها نصا خاصا روعي فيه ما هو ملحوظ في اذعان العاقد من معنى التسليم كما خول القاضي تعديله.
حالات خاصة في ابرام العقود:
وضع المشروع احكاما للوعد بالتعاقد وجعله صحيحا متى تعينت المسائل الاساسية في التعاقد والمدة التي يتم فيها
وللقاضي ان يصدر حكما يقوم مقام العقد الموعود به عند عدم الوفاء بالوعد
واذا كان هناك عربون قد دفع عند ابرام العقد فانه يكون لاحد الطرفين ان يستقل بنقض العقد الا اذا اتفق على الا يكون له خيار العدول.
نظرية النيابة:
رسم المشروع القواعد الاساسية لنظرية عامة في النيابة في التعاقد اخذا من الفقه الاسلامي
وقد رؤي الاكتفاء في هذا الشأن بايراد نصوص يتسع عمومها لضروب النيابة جميعا، اتفاقية كانت او قانونية
اما القواعد الخاصة بالنيابة الاتفاقية وحدها فقد وردت بصدد عقد الوكالة
وقد اختص المشروع هذا العقد بطائفة من القواعد لها دون شك منزلتها من النظرية العامة في النيابة
ولكنه آثر ان يجمعها في صعيد واحد تجنبا من التكرار.
محامي عقود في الاردن
وعلى ذلك اقتصر الامر في الاحكام العامة على بيان آثار النيابة على وجه الاجمال
وايراده القاعدة الخاصة بتعاقد الشخص مع نفسه ويكمل هذه الاحكام ما ورد في عقد الوكالة من نصوص.
ويراعى ان الاحكام الخاصة بالنيابة في التعاقد التي تضمنها المشروع اقتباسا من الفقه الاسلامي
مع عدم التقيد بمذهب معين تضاهي ان لم تفق اكثر التقنينات تقدما.
(يراجع في بيان ذلك : السنهوري ، مصادر الحق ج/5 ص 196 – 312 وخصوصا صفحة 306 – 312).
المذكرة الايضاحية:
يعرف الفقهاء العقد بانه (ارتباط الايجاب بالقبول على وجه يثبت اثره في المعقود عليه).
والانعقاد بانه (تعلق كلام احد العاقدين بالاخر شرعا على وجه يظهر اثره في المحل).
( البابرتي ، العناية من اول كتاب البيع ج/6 ص 247، والمادة 262 من مرشد الحيران و 103 -104 و 167 من المجلة وشرحها لعلي حيدر).
افضل محامي عقود في الاردن
وقد تجنب المشروع ايراد تعريف للعقد واكتفى ببيان متى ينعقد العقد فذلك هو الذي يهم المشرع والقاضي
اما التعريف فمن وظيفة الفقه فنص على ان العقد ينعقد بمجرد ارتباط الايجاب بالقبول
وطبيعي ان الارتباط المقصود هنا هو الارتباط الذي يتم وفق ما امر به الشارع أي الذي تتوافر فيه الشروط التي يشترطها الشارع.
محامي عقود في الاردن
وقد اضاف المشروع الى تعريف الفقهاء (مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من اوضاع معينة لانعقاد العقد)
نزولا على ما قد يقرره القانون في بعض العقود من اشتراط القبض او اشتراط التسجيل لانعقاد العقد
ومع ان العقد ليس الا ارتباط الايجاب بالقبول على وجه شرعي أي ليس غيره فقد اثر المشروع ان يكون النص على ما هو عليه
نزولا على الاعتبارات العملية اذ الذي يهم المتعاملين والقاضي هو متى ينعقد العقد بصرف النظر عما اذا كان العقد هو نفس الايجاب والقبول او اثرهما.
وظاهر من تعريف الفقهاء ايثار مذهب الارادة الظاهرة على الباطنة فالعقد ينعقد بالايجاب والقبول أي بالارادة المعلنة من الطرفين بموافقتهما على العقد وليس بنفس الارادتين.
ويلاحظ ان المقصود بالعقد هو الذي يتوافر فيه ايجاب وقبول لا ايجاب فقط أي الذي تتوافر فيه ارادتان لا ارادة واحدة.
مع انه قد يطلق على لسان الفقهاء مقصودا به الاثنان معا:
ما يتم بايجاب وقبول وما يتم بايجاب فقط اي ما يتم بارادتين كالبيع وما يتم بارادة واحدة كالطلاق فللعقد معنى عام يتناول ما يتم بارادتين
وما يتم بارادة واحدة ومعنى خاص مقصور على ما يتم بايجاب وقبول فقط والعقد بمعناه العام المتقدم
اضيق من (التصرف) اذ التصرف قد يكون قوليا يتم بارادتين او بارادة واحدة وقد يكون فعليا كالغصب والاتلاف.
وتقابل المادة 73 عراقي و 89 مصري و 92 سوري ومشروع اردني.
المذكرة الايضاحية المادة 90، انعقاد العقد:
اول ما يعرض للقاضي في شأن العقد هو تفسير اذا كان في حاجة الى تفسير، وتفسير العقد هو استخلاص النية المشتركة للمتعاقدين.
فاذا فرغ القاضي من التفسير , انتقل الى تحديد نطاق العقد، فلا يقتصر في هذا التحديد على النية المشتركة للمتعاقدين
بل يجاوز ذلك الى ما هو من مستلزمات العقد، وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام.
وقد تناول المشروع تحديد نطاق العقد في المادة (202) ويتناول في المواد التالية تفسير العقد:
اهتم الفقهاء المسلمون بتفسير العقد وتحديد نطاقه ووضعوا لذلك قواعد جمعها ابن نجيم في كتابه الاشباه والنظائر كما جمعها غيره في الفقه الحنفي وغيره من المذاهب
وقد اهتمت المجلة بايراد هذه القواعد في مقدمتها.
وقد حرص المشروع على ايراد هذه القواعد ويرجع في فهم هذه القواعد وتفسيرها الى كتب القواعد ومنها الاشباه والنظائر لابن نجيم والى شروح المجلة.
هناك قاعدتين هامتين في هذا الصدد يرجع اليهما كثير من القواعد الاخرى:
القاعــدة الاولى:
العبرة في تفسير العقد في الفقه الاسلامي بالارادة الظاهرة لا بالارادة الباطنة:
يجب الوقوف في تفسير العقد عند الصيغ والعبارات الواردة في العقد واستخلاص معانيها الظاهرة
دون الانحراف عن المعنى الظاهر الى معان اخرى بحجة انها هي المعاني التي تتمثل فيها الارادة الباطنة
فالارادة الباطنة لا شأن لنا بها اذ هي ظاهرة نفسية لا تعني الجتمع
والذي يعنيه هو الارادة الظاهرة التي اطمان اليها كل من المتعاقدين في تعامله مع الاخر
فهذه ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية وهي التي يتكون منها العقد.
محامي عقود في الاردن
من اجل ذلك يقف المفسر عند الصيغ الواردة في العقد ويحللها تحليلا موضوعيا
ليستخلص منها المعاني السائغة ويعتبر هذه المعاني هي ارادة المتعاقدين.
يراجع مثلا الكاساني، البدائع (5: 133 و 235) والبغدادي، مجمع الضمانات (ص 28 و 40 – 41).
فنية المتعاقدين تستخلص مما دل عليه الالفاظ الواردة في العقد.
فان كان المعنى الذي يستخلص في العرف وفي الشرع واضحا لم يجز الانحراف عنه الى غيره.
افضل محامي عقود في الاردن
ان كان المعنى غير واضح ، وجب تبين نية المتعاقدين.
فالعبرة في الفقه الاسلامي بالارادة الظاهرة كما تستخلص من العبارات والصيغ التي استعملها المتعاقدان.
وفي هذا استقرار للتعامل وتحقيق للثقة المشروعة التي وضعها كل من المتعاقدين في الاخر
عندما اطمان الى ما يكمن من عباراته من معان سائغة بخلاف الحال في الفقه الغربي
وبخاصة الفقه اللاتيني اذ العبرة بالارادة الباطنة اما العبارة فهي دليل على الارادة
ولكنه دليل يقبل اثبات العكس فاذا كان هناك خلاف بين الارادة والعبارة فالعبرة بالارادة دون العبارة وهذا بخلاف الفقه الاسلامي
وكذلك الفقه الجرماني الى مدى يقرب من الفقه الاسلامي فالعبارة هي التي يعتد بها ومنها وحدها تستخلص الارادة.
محامي عقود في الاردن
ولا يقدح في ذلك قاعدة ان (الامور بمقاصدها) وان (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للالفاظ والمباني) (م2 و 3 من المجلة).
ونحو ذلك فان هذه القواعد لا تعني انه يعتد بالارادة الباطنة بل المقصود ان الذي يعتد به المقاصد والمعاني
التي تستخلص من العبارات والصيغ المستعملة او من دلائل موضوعية وعلامات مادية
فلا تجاوز هذا البحث الموضوعي الى بحث ذاتي نستشف به الضمير ونستكشف به خفايا النفوس.
يدعم هذا قواعد كلية ثلاث وردت في المجلة اوردها المشروع:
1- الاصل في الكلام الحقيقة (م12 من المجلة) فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز اذا امكن حمله على المعنى الحقيقي
فلو اوصي لولد زيد لم يدخل ولد ولده ان كان له ولد لصلبه، فان لم يكن له لصلبه استحق ولد الابن ( الاشباه والنظائر ص 36).
2- لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح (م13 من المجلة) فاذا تعارض المفهوم صراحة مع المفهوم ضمنا، قدم الاول على الثاني
لان الدلالة المادية في الصريح ابلغ، مثل ذلك ان يهب شخص شيئا لاخر فقبض الموهوب في مجلس الهبة ولو بغير اذن الواهب صحيح
لان ايجاب الواهب في مجلس الهبة اذن ضمني، ولو نهى الواهب الموهوب له عن القبض صراحة لم يصح قبضه، لان النهي الصريح يقدم على الاذن الضمني.
افضل محامي عقود في الاردن
3- ( دليل الشيء في الامور الباطنة يقوم مقامه، يعني انه يحكم بالظاهر فيما يتعذر الاطلاع عليه) (م 68 من المجلة)
فاستعمال الالة المفرقة للاجزاء دليل على نية القتل.
القاعـــدة الثانية:
هناك قاعدة اخرى جوهرية في تفسير العقد وهي: يفسر الشك في مصلحة المدين وقد توردها التقنين العراقي في المادة (166) منه
وهذا النص وان كان ماخوذا من الفقه الغربي الا انه يتفق كل الاتفاق مع قواعد تفسير العقد في الفقه الاسلامي.
فهناك قواعد كلية ثلاث اوردها ابن نجيم في الاشباه والنظائر تتضافر كلها على اقرار هذا المبدا وهي:
1- اليقين لا يزول بالشك فاذا كان هناك شك في مديونية المدين، فاليقين انه بريء الذمة ولا يزال هذا اليقين بالشك.
2- الاصل بقاء ما كان على ما كان وبراءة الذمة تسبق المديونية فتبقى براءة الذمة قائمة على ما كانت ولا تزول الا بمديونية قامت على يقين
ويقول ابن نجيم في هذا الصدد: ومن فروع ذلك ما لو كان لزيد على عمرو الف مثلا برهن عمرو على الاداء او الابراء، الاشباه والنظائر، ابن نجيم (ص 28 – 29).
3. الاصل براءة الذمة فيفرض فيمن يدعى عليه بالدين انه بريء الذمة حتى يقيم من يدعي الدين الدليل القاطع على ان له دينا في ذمته
واذا كان هناك شك في مديونية المدين استصحبت براءة ذمته وفسر الشك في مصلحته.
ابن نجيم الاشباه والنظائر صفحة (29) وهي تقابل المادتين (151 و 152) سوري ومشروع اردني و (150 و 151) مصري و (166 و 167) عراقي.
خامسا: الخاتمة:
بالنتيجة الأصل في تفسير العقود بالقانون الأردني هو الأخذ بالإرادة الظاهرة
وأن اللجوء للإرادة الباطنة لا يكون إلا استثناءً وفي أضيق الحدود، حين لا تكفي عبارات العقد للتفسير أو يشوبها الغموض.
كما دعت إلى ضرورة اعتماد نهج تكاملي في التفسير، يجمع بين النصوص، والسياق، والمنطق القانوني، والظروف المحيطة بالعقد.
مكتب العبادي للمحاماة:
العنوان: عمّان – العبدلي – شارع الملك حسين – مجمع عقاركو التجاري – الطابق الرابع.
تواصل معنا على الأرقام التالية: 0798333357 / 0799999604 / 064922183.