الجرائم الإلكترونية والأسباب المخففة

الجرائم الإلكترونية والأسباب المخففة
مقدمة
يُعد مبدأ الأسباب القضائية المخففة من أبرز أدوات العدالة الجنائية التي تمكّن المحاكم من تحقيق التوازن بين خطورة الجرم وظروف الفاعل.
وقد منح المشرّع الأردني المحاكم حرية واسعة في تطبيق هذه الأسباب، خاصة عندما لا تكفي الأعذار القانونية المخففة لتحقيق العدالة المنشودة.
فالعدالة لا تقتضي فقط معاقبة المجرم، بل تقتضي كذلك تناسب العقوبة مع جسامة الفعل.
فكما تتأذى مشاعر الناس إذا أفلت الجاني من العقاب، فإنها تتأذى أيضًا إذا فُرضت عقوبة قاسية لا تتناسب مع بساطة الفعل أو ضآلة الضرر الناتج عنه.
الإطار القانوني للأسباب المخففة
لم يضع المشرّع الأردني ضوابط محددة للأسباب القضائية المخففة، ولم يذكر أمثلة حصريّة لها، بل ترك الأمر لتقدير المحاكم وفقًا لظروف كل قضية على حدة.
وقد وردت هذه السلطة في المادتين (99) و(100) من قانون العقوبات الأردني، اللتين تتيحان للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدّها الأدنى المقرر للجريمة، إذا تبين وجود ظروف واقعية تدعو إلى الرأفة.
وتشمل هذه الظروف مثلًا:
تفاهة الضرر أو إمكانية إصلاحه.
ضآلة الوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة.
وقوع الجريمة في زمان أو مكان يخفف من خطورتها.
كون المتهم مبتدئًا في الإجرام أو محدود الخبرة بالحياة.
أو أن يكون قد أبدى ندمًا حقيقيًا بعد ارتكاب الفعل.
السلطة التقديرية للمحكمة
يُعتبر تقدير وجود السبب القضائي المخفف من سلطة محكمة الموضوع، التي تحدد في كل حالة ما إذا كان المتهم يستحق الاستفادة من التخفيف.
ويجب، تطبيقًا لنص المادة (100/3) من قانون العقوبات، أن يكون القرار القضائي المانح للأسباب المخففة معللًا تعليلًا كافيًا وواضحًا، ليخضع لرقابة محكمة التمييز.
ولا تُطبّق هذه الأسباب عادة على المخالفات لصِغَر عقوبتها ولعدم جدوى التخفيف فيها.
تطبيق الأسباب المخففة في الجرائم الإلكترونية
بالنظر إلى أن معظم الجرائم الإلكترونية في الأردن تُعد جرائم جنحية من اختصاص المحاكم الصلحية، يثور التساؤل حول ما إذا كان قانون الجرائم الإلكترونية قد منع المحاكم من تطبيق الأسباب المخففة المنصوص عليها في قانون العقوبات.
والجواب القاطع: لا، وبالنفي المطلق.
1- عدم وجود نص مانع
لا يتضمن قانون الجرائم الإلكترونية الأردني أي نص يمنع المحاكم من تطبيق الأسباب المخففة الواردة في المادتين (99) و (100) من قانون العقوبات.
بل إن الأصل العام في القانون هو جواز التخفيف ما لم يُمنع صراحة.
2- جواز تطبيق المادة (100/1) عقوبات
يجوز للمحاكم، وفق المادة (100/1)، تخفيض العقوبة إلى حدّها الأدنى، إذا وجدت مبررات تخفيفية تراها عادلة ومتناسبة مع ظروف الجريمة الإلكترونية.
3- جواز تطبيق المادتين (21) و(22) عقوبات
لم يرد في قانون الجرائم الإلكترونية ما يمنع من تطبيق:
المادة (21) التي تجيز الحكم بحبس المحكوم عليه مدة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع في مراكز الإصلاح والتأهيل.
أو المادة (22) التي تجيز استبدال الحبس بالغرامة بين خمسة دنانير ومائتي دينار.
وبذلك، يمكن للمحكمة الأخذ بهذه النصوص عند الاقتضاء، بحسب ظروف الدعوى والمتهم.
الجرائم الإلكترونية ذات العقوبات الجنائية
رغم أن غالبية الجرائم الإلكترونية جنحية الوصف، فإن بعض الجرائم منها جنائية تستوجب عقوبات أشد.
وفي هذه الحالات أيضًا، يمكن للمحكمة تطبيق المادة (99/3) من قانون العقوبات لتخفيف العقوبة الجنائية، إذا توافرت الأسباب المخففة التقديرية.
الخلاصة
إن القول بعدم جواز تطبيق الأسباب المخففة في الجرائم الإلكترونية لا يجد له سندًا في النصوص القانونية.
فلو أراد المشرّع استثناء هذه الجرائم من التخفيف، لنصّ على ذلك صراحة بعبارة واضحة مثل:
“لا يجوز استعمال الأسباب المخففة في هذا القانون.”
وبما أن المشرّع لم يفعل، فإن الأصل العام في القانون يظل قائمًا، وهو جواز التخفيف تحقيقًا للعدالة الإنسانية والاجتماعية.
الخاتمة
تؤكد أحكام قانون العقوبات الأردني، في ضوء ما استقر عليه الفقه والقضاء، أن الأسباب القضائية المخففة تُعد من مظاهر العدالة الجنائية التي تراعي ظروف المتهم وتقدّر الموقف الإنساني والاجتماعي لكل جريمة.
ولذلك، يجوز لمحاكم المملكة الأردنية الهاشمية الأخذ بالأسباب المخففة في الجرائم الإلكترونية، طالما لم يرد نصّ يمنع ذلك صراحة، تحقيقًا لمبدأ العدالة والرحمة في آنٍ واحد.
مكتب العبادي للمحاماة
المكتب الرئيسي: مجمع عقاركو التجاري – شارع الملك حسين – العبدلي – عمان – الأردن.
الهاتف المتنقل: 00962798333357 \ الهاتف: 064922183
الموقع الإلكتروني: www.alabbadilawfirm.com ، البريد الإلكتروني: info@alabbadilawfirm.com
Section Title
