تجد محكمتنا وبعد التدقيق والمداولة ان الوقائع في هذه القضية تتلخص وعلى سند من القول انه وبتاريخ 3/10/2022 اثناء قيام منظمي الضبط بالوظيفة الرسمية – مرتب دائرة الجمارك- مكافحة التهريب كانوا بصدد إيقاف مركبة نوع ديانا تويوتا لغايات تفتيشها وبعدها حضرت المركبة رقم 24957-5 نوع دوج والتابعة لدائرة الجمارك وتابع سائقها المسير وتم العثور عليها بجانب منزل المشتكى عليه طراد، وعلى اثر ذلك قدمت الشكوى وجرت الملاحقة.
في القانون:
فقد نصت المادة 178 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه: تقضي المحكمة بالإدانة عند ثبوت الفعل وبالبراءة عند انتفاء الأدلة أو عدم کفايتها وبعدم المسؤولية اذا كان الفعل لا يؤلف جرماً او لا يستوجب عقاباً كما تقضي في الوقت نفسه بالزام المدعي الشخصي بناء على طلب الظنين بالتعويض اذا ظهر لها ان الدعوى أقيمت عليه بصورة كيدية.
وبردنا على السبب الأول من أسباب الاستئناف والمنصب على تخطئة محكمة الدرجة الأولى بإعلان براءة المستأنف ضده عما اسند اليه تجد محكمتنا أن البينة تقام في الدعاوي الجزائية بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي الجزائي بقناعته الشخصية المستمدة من البينات المطروحة عليه بما له من صلاحية بمقتضى نص المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وباستعراض محكمتنا لبينات النيابة العامة وبتطبيق القانون على الوقائع الثابتة من خلالها نجد:
وحيث ان من المستقر في الاجتهاد القضائي ان الحكم بالتجريم مشروط بثبوت الفعل وثبوت الفعل يعني ثبوت الجريمة مستوفيه لعناصرها القانونية وان مجرد تشكك محكمة الموضوع من صحة ما اسند للمشتكى عليه يكفي للحكم بالبراءة عملاً بقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم لذا ولما كان الاصل البراءة فان حكم الادانة الذي يؤدي الى قلب هذه القرينة يجب ان يكون مبني على ادلة قانونية واقتناع يقيني جازم بارتكاب المستأنف للجرائم المسندة اليه وذلك على خلاف حكم البراءة والذي يكفي به الشك للإبقاء على الاصل المفترض بالإنسان استصحابا لقرينة البراءة، لذا فاذا ساور ضمير القاضي الجزائي الشك في حقيقية ارتكاب المتهم للجرم فان القانون يلزم القاضي اعلان براءته عما اسند اليه من الجرائم.
وفي ذلك استقر اجتهاد محكمة التمييز الموقرة بصفتها الجزائية هيئة عامة رقم 993/2008 تاريخ 27/8/2008 على أنه (… في ضوء المبادئ المقررة قانونا وفقها وقضاء فان الشك يفسر لمصلحة المتهم وانه لا يشترط في ادلة النفي ان تقطع بعدم وقوع الجريمة او نسبتها الى الفاعل و انما يكفي ان تثير الشك في ذهن المحكمة حول ما جاء في ادلة الاثبات، وان المفروض براءة المتهم حتى تتوافر الادلة والحجج القطعية الثبوت التي تفيد الجزم واليقين وان حكم الادانة يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي اليه من وقائع البينات، ولا يضير العدالة افلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس)، وحيث أن البينة المقدمة في هذه القضية والمتمثلة بشهادة المشتكي محمد لافي والتي لم يرد فيها ما يشير لقيام المشتكى عليه طراد بصدم مركبته وان مجرد وجود المركبة موضوع الشكوى بجانب منزله لا يجعله هو المتسبب بالحادث، كما ورد في شهادته (…ولم يحصل أي اعتداء علينا) مما ينفي الجرائم المسندة للمشتكى عليه، وهو ما أكده المشتكي طارق والمشتكي سلطان بعدم وقوع أي اعتداء عليهم وبان مجرد وقوف المركبة المتسببة بالحادث بجانب منزل المشتكى عليه طراد لا يجعله هو المتسبب بالحادث كما ان أي من المشتكين لم يرد في شهادته انه كان قد شاهد المشتكى عليه طراد وهو يقود المركبة، وقد اكد الشاهد محمد الزغاليل في شهادته والتي جاء فيها (..ولم أستطع تمييز الشخص الذي كان بالمركبة…ولم يقم المشتكى عليه طراد الفايز بالاعتداء او مقاومة رجال الامن العام)، كما تبين لمحكمتنا ومن خلال شهادة شاهد الدفاع هاني والتي جاء فيها (… وفجأة شاهدت سيارة مرسيدس لون اسود دخلت الى حرم البيت وسيارة أخرى بكب قام سائقها باصطفافها على بيت المشتكى عليه وقام بالنزول والهروب وسائق السيارة السوداء هرب وان المشتكى عليه كان برفقتي ولم يكن معهما…) وهو ما أكده باقي شهود الدفاع، الامر الذي يتوجب معه اعلان براءته عما اسند اليه.
وحيث إن بينة النيابة لم يرد فيها الدليل القاطع على ارتكاب المشتكى عليه للجرائم المسندة اليه خصوصاً أن البينة الدفاعية جاءت لتثبت عدم تواجد المشتكى عليه في مكان الحادث وقت وقوع الحادث.
وحيث أن غياب الأدلة المباشرة على قيام الجرم ونسبته إلى فاعله يوجب من المحكمة ووصولاً إلى وجه الحق في الدعوى أن تبحث في الأدلة غير المباشرة وهي القرائن مع مراعاة ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي بشأن تعريف القرينة في مجال الإثبات الجزائي من أنها استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة على سبيل الجزم واليقين (انظر قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (2129/2014)، (هيئة خماسية)، تاريخ (22/2/2015)، وقرارها رقم (143/1992)، (هيئة خماسية)، تاريخ (8/7/1992)، منشورات مركز قسطاس، وجندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الأول، منشوراتالحلبي الحقوقية، ص 258 وما بعدها). فالقرينة القضائية يجب أن تكون أكيدة في دلالتها، لا افتراضية محضة وأن يكون في النتائج المستخلصة منها ما يتفق وحكم العقل والمنطق.
ولما كان الأمر كذلك، وكان من جميع ما تقدم ان غدت هذه الدعوى خالية من أية بينة قانونية يُمكن الركون إليها في إصدار حكم بالإدانة بشأن الواقعة الثابتة، ذلك أن حكم الإدانة يجب أن يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي إليه من وقائع البينات لا بمجرد الشك أو الاحتمال وعلى محاكم الموضوع إعلان براءة المشتكى عليه حال عدم قيام الدليل القانوني المقنع بحقه.
(انظر لطفاً قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (1419/2015)، (هيئة خماسية)، تاريخ (15/11/2015)،