إذا ما توفرت شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة جاز للقاضي تبعاَ للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ، ويقع باطلاَ كل اتفاق على خلاف ذلك ومما لاشك فيه أن مثل هذه الصلاحية إنما تكون بالاستناد إلى نصوص القانون المدني الأردني .
وفي هذا الخصوص نجد بأن صلاحية القاضي في مثل هذه الحالات ليست بصلاحية مطلقة ، بل هي صلاحية مقيدة بشروط معينة ، فهو قد يرى أن الظروف لا تقتضي إنقاص الالتزام المرهق ولا زيادة الالتزام المقابل بل هي تقتضي وقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ وقد يرى زيادة الالتزام المقابل وقد يرى إنقاص الالتزام المرهق .
لذلك نجد أن القاضي قد يرى وقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ إذا كان الحادث وقتياَ يقدر له الزوال في وقت قصير مثل أن يتعهد مقاول بإقامة مبنى وترتفع أسعار بعض مواد البناء لحداث طارئ ، ارتفاعاَ فاحشاَ ولكنه ارتفاع يوشك أن يزول لقرب انفتاح باب الاستيراد فيوقف القاضي التزام المقاول بتسليم البناء في الموعد المتفق عليه حتى يتمكن المقاول من القيام بالتزامه دون إرهاق إذا لم يكن في هذا الموقف ضرر جسيم يلحق صاحب المبنى .
وقد يرى القاضي زيادة الالتزام المرهق وقد ضرب لذلك مثل في لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ بأن تعهد تاجر بتوريد ألف أردب من الشعير بسعر ستين قرشاَ للأردب فيرتفع السعر إلى أربعة جنيهات فيرفع القاضي السعر الوراد في العقد .
ولكن يُلاحظ هنا أمران الأمر الأول أن القاضي لا يرفع السعر الوراد في العقد إلى أربعة جنيهات وإلا كان في ذلك تحميل للطرف الآخر ليس فحسب تبعة الارتفاع الفاحش للأسعار بأكمله بل أيضاَ تبعة الارتفاع المألوف والأصل أن الارتفاع المألوف للأسعار يتحمله المدين كما يتحمل الدائن انخفاض الأسعار المألوف .
فإذا فرضنا في المثل الذي نحن بصدده أن الارتفاع المألوف في سعر الشعير هو عشرون قرشاَ وجب أن يتحمل المتعهد هذا المقدار دون أن يشترك معه فيه الطرف الآخر وما زاد على ذلك ويبلغ في مثلنا ثلاثمائة وعشرين قرشاَ هو ارتفاع غير مألوف يقسمه القاضي بين المتعاقدين حتى يتحمل كل منهما نصيبه في الخسارة غير المتوقعة فيصيب المتعهد منه مائة وستون قرشاَ ويرفع القاضي السعر ومقداره ستون قرشاَ بنصف الزيادة غير المألوفة ومقداره مائة وستون قرشاَ فيصل إلى مائتين وعشرين قرشاَ وعلى الطرف الآخر أن يدفع للتاجر هذا السعر المعدل بدلاَ من السعر المتفق عليه .
والأمر الثاني أن القاضي عندما يرفع السعر من ستين قرشاَ إلى مائتين وعشرين قرشاَ لا يفرض على الطرف الآخر أن يشتري بهذا السعر بل يخيره بين أن يشتري به أو أن يفسخ العقد فإذا اختار الفسخ كان هذا أصلح للمدين إذ يرتفع عن عاتقه كل أثر للحادث الطارئ .
وقد يرى القاضي إنقاص الالتزام المرهق مثل ذلك أن يتعهد تاجر بتوريد كميات كبيرة من السكر لمصنع من مصانع الحلوى بالتسعيرة الرسمية ثم يقل المتداول في السوق من السكر إلى حد كبير لحادث طارئ كحرب منعت استيراد السكر أو إغلاق بعض مصانع السكر أو نحو ذلك فيصبح من العسير على التاجر أن يُورد لمصنع الحلوى جميع الكميات المتفق عليها فيجوز في هذه الحالة للقاضي أن ينقص من هذه الكميات بالمقدار الذي يراه مناسباَ حتى يرد التزام التاجر إلى الحد المعقول فإذا فعل أصبح التاجر ملتزماَ بتوريد الكميات التي عينها القاضي لا أكثر وجرى حكم العقد بهذا التعديل بين الطرفين .
وتبعاَ لذلك يجوز لمصنع الحلوى أن يتقاضى الالتزام عيناَ أو تعويضاَ طبقاَ للقواعد العامة ويجوز له كذلك إذا امتنع التاجر عن تنفيذ التزامه المعدل أن يطلب فسخ العقد مع التعويض وإذا كان الالتزام المرهق ثمن مبيع جاز للقاضي إنقاصه أو إنقاص فوائده أو إسقاط هذه الفوائد أو مد الآجال التي تُدفع فيها .
ويُلاحظ في حالتي إنقاص الالتزام المرهق وزيادة الالتزام المقابل أن القاضي لا يرد الالتزام إلى الحد المعقول إلا بالنسبة إلى الحاضر ولا شأن له بالمستقبل لأنه غير معروف فقد يزول أثر الحادث الطارئ فيرجع العقد إلى ما كان عليه قبل التعديل وتعود له قوته الملزمة كاملة كما كان في الأصل . وإذا جاز للقاضي أن يوقف الالتزام المرهق أو أن ينقص منه أو أن يزيد في الالتزام المقابل فإنه لا يجوز له فسخ العقد ذلك أن النص لا يجعل له إلا أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول فالالتزام المرهق يبقى ولا ينقضي ولكن يُرد إلى الحد المعقول فتتوزع بذلك تبعة الحادث الطارئ بين المدين والدائن ولا يتحملها الدائن وحده بفسخ العقد .
ومما يُلاحظ على الجزاء الذي قرره التقنين المدني المصري الجديد على توفر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة أنه بالرغم من مرونة هذا الجزاء أنه يعتبر من النظام العام فلا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا مقدماَ على ما يخالفه .
وأخيراَ نجد بأن مهمة القاضي في توقيع هذا الجزاء المرن المترتب على توفر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة هي مهمة تختلف عن مهمة القاضي المألوفة فهذه المهمة لا تقتصر على تفسير العقد بل هي مهمة تتجاوز ذلك لتصل إلى تعديل العقد .
_____________________________________ .
الدكتور عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الأول – الصفحات من ( 725 ) إلى ( 729 ) بتصرف بسيط. _______________________________________ .