أما من حيث التطبيقات القانونية على واقعة هذه الدعوى وفيما إذا كان ينطبق على وقائعها أحكام المادة (290) أم (291) من القانون المدني ، ومن هو الحارس على أعمال المشروع أهي المميزة باعتبارها صاحبة مشروع أم المقاول ، وهل أن الصخرة التي سقطت وألحقت الضرر بالمدعي ناتجة عن أعمال الحفر .
وفي ذلك تجد محكمتنا أن مسؤولية “حارس البناء” الواردة في المادة (290) من القانون المدني التي أسست عليها محكمة الدرجة الأولى حكمها بالتعويض على الطاعنين وأيدتها في ذلك محكمة الاستئناف تقوم على أساس المسؤولية عن الضرر الذي يحدثه انهيار بناء، وأن مفهوم ) البناء ( المقصود في النص هو مجموعة من المواد مهما كان نوعها –خشباً أو جيراً أو حديداً أو جبساً أو كل هذا معاً أو شيئاً غير هذا– شيدتها يد إنسان لتتصل بالأرض اتصال قرار، سواء شيد فوق الأرض أو في باطنها (انظر: السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، منشوراتالحلبي، الصفحة ١٢١٣).
وحيث إن الإصابة التي تعرض لها المدعي قد نتجت عن انهيار مقطع صخري وسقوطه على الحفارة التي كان يجلس فيها والتي كانت موجودة في المكان الذي كان يجري فيه الحفر لتنفيذ المشروع العائد للجهة الطاعنة، وأن ذلك قد وقع قبل البدء بتشييد أي بناء في الموقع بالمعنى المذكور أعلاه، فإنه لا محل –بناءً على ذلك– لتطبيق أحكام المسؤولية عن انهيار البناء المنصوص عليها في المادة (٢٩٠) من القانون المدني، إذ أن المقطع الصخري لا يعد بناءً بالمعنى المراد في ذلك النص.
أما عن القاعدة القانونية واجبة التطبيق على الدعوى فإننا نجد أن المادة (١٢) من قانون البناء الوطني قد أوجبت على المذكورين في النص (ومن ضمنهم مقاولي الإنشاءات ومن يقوم بأعمال الإعمار) التقيد بالكودات المعتمدة في تصميم هذه الأعمال أو الإشراف عليها أو تنفيذها أو صيانتها. وأوجبت، في الوقت ذاته، على تلك الجهات تبليغ مجلس الإعمار الوطني أو السلطات التنظيمية بأي مخالفة لذلك حال اكتشافها.
كما أن المادة (٢٨٨) من القانون المدني قد نظمت أحكام المسؤولية عن فعل الغير، ومِن صورها مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه إذا صدر عن الأخير فعل ضار بالغير في حال تأدية وظيفته أو بسببها، وحددت مناط تلك المسؤولية بوجود سلطة فعلية للمتبوع في رقابة وتوجيه تابعه ولو لم يكن حراً باختياره.
كما وتضمنت المادة (٢٩١) من القانون ذاته أحكام المسؤولية عن “الأشياء والآلات” حيث نصت على أنه: “كل من كان تحت تصرفه أشياء تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها أو آلات ميكانيكية – يكون ضامناً لِما تحدثه هذه الأشياء من ضرر إلاّ ما لا يمكن التحرز منه، هذا مع عدم الإخلال بما يرِد في ذلك من أحكام خاصة“.
وبيّن الفقه والاجتهاد القضائي أن تلك المسؤولية تقوم على خطأ مفترض من حارس الشيء (وهو مالكه، إلى أن يثبت خلاف ذلك) ولا يجوز للحارس درء المسؤولية عن نفسه إلا من خلال إثبات انتقال الحراسة أو قيام سبب أجنبي وراء حدوث الضرر بإحدى الصور التي حددتها المادة (٢٦٠) من القانون المدني. وأن أساس تلك المسؤولية هو الضرر الذي تحدثه الجمادات (غير البناء) وأن محلها هو:
1.الآلات الميكانيكية، والتي لا يُشتَرط لقيام المسؤولية أن تتطلب حراستها عناية خاصة.
2.الأشياء التي تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها، وهنا يجب أن تكون حراسة الشيء تتطلب تلك العناية سواءً بالنظر إلى طبيعتها أو استناداً إلى الظروف والملابسات التي وجدت فيها.
(انظر: تمييز حقوق هيئة خماسية ٦٨٦٢/٢٠١٨ وهيئة عامة 320/2012 ، وانظر والمسؤولية عن فعل الأشياء، دراسة مقارنة، إياد عبدالجبار ملوكي، دار الثقافة ٢٠٠٩، صفحة ٢٥ والسنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الأول، ف٧٣١، صفحة ١٢٣٨).