الإعلانات الطبية المضللة حول علاج العقم بالخلايا الجذعية – دراسة قانونية وعلمية

محامي قضايا احتيال إلكتروني
الإعلانات الطبية المضللة حول علاج العقم بالخلايا الجذعية – دراسة قانونية وعلمية
المقدمة
عرض عام لموضوع الاحتيال الطبي الإلكتروني.
خطورة استغلال حلم الإنجاب للتربح غير المشروع.
أهمية البحث: تزايد جرائم الاحتيال خصوصاً عبر الوسائل الإلكترونية والطبية.
مشكلة البحث: كيف يتعامل القانون الأردني مع جرائم الاحتيال التقليدي والاحتيال الإلكتروني في ظل قضايا الدعاية الطبية المضللة؟
أهداف البحث
بيان مفهوم الاحتيال وأركانه.
تحليل النصوص القانونية ذات الصلة (العقوبات – المعاملات الإلكترونية – الجرائم الإلكترونية).
دراسة الظرف المشدد وأثره عند ارتكاب الاحتيال باسم المهنة الطبية.
تحليل البعد العلمي: استحالة علاج العقم بالخلايا الجذعية حتى اليوم.
التطبيق على قضية “المركز الطبي – العلاج بالخلايا الجذعية”.
منهجية البحث
منهج تحليلي مقارن (النصوص القانونية الأردنية والاجتهادات القضائية).
الاستناد إلى دراسات طبية دولية منشورة في مجلات محكمة (PubMed، Fertility and Sterility، WHO reports).
الفصل الأول: الإطار العام لجريمة الاحتيال في القانون الأردني
المبحث الأول: تعريف الاحتيال وتطوره التشريعي
نص المادة 417 من قانون العقوبات الأردني.
الفارق بين الاحتيال والكذب المجرد أو خلف الوعد.
المبحث الثاني: أركان جريمة الاحتيال
المطلب الأول: الركن المادي (فعل الاحتيال – النتيجة – علاقة السببية).
المطلب الثاني: الركن المعنوي (القصد العام والقصد الخاص).
المبحث الثالث: الظروف المشددة للاحتيال
إذا وقع من طبيب أو شخص ذو صفة اعتبارية.
إذا وقع على أكثر من شخص.
إذا استغل إعاقة جسدية أو ذهنية.
الفصل الثاني: الاحتيال الإلكتروني في القانون الأردني
المبحث الأول: قانون المعاملات الإلكترونية (المادة 24)
العقوبات المقررة لإنشاء أو نشر بيانات مزيفة.
حالات التزوير الإلكتروني.
المبحث الثاني: قانون الجرائم الإلكترونية (المادة 15)
تجريم ارتكاب أي جريمة باستخدام الشبكة.
تكييف الاحتيال الإلكتروني.
المبحث الثالث: الفروق الجوهرية بين الاحتيال التقليدي والاحتيال الإلكتروني
الوسائل المستعملة.
خطورة الجريمة وأثرها على الثقة المجتمعية.
الفصل الثالث: التطبيق العملي – قضية علاج العقم بالخلايا الجذعية
المبحث الأول: عرض الوقائع
إعلان المركز الطبي.
الفيديو المضلل لشخص بريطاني الجنسية.
دفع 30 ألف دولار.
المبحث الثاني: التكييف القانوني
احتيال وفق المادة 417.
جريمة إلكترونية وفق المادة 15.
مخالفة لنظام العلاج بالخلايا الجذعية.
المبحث الثالث: البعد العلمي
الدراسات الطبية التي تؤكد استحالة العلاج بالخلايا الجذعية حتى الآن:
دراسة Fertility and Sterility (2023):
“لا يوجد دليل سريري قوي حتى الآن على إمكانية استخدام الخلايا الجذعية لعلاج العقم عند البشر.”
تقرير American Society for Reproductive Medicine (ASRM, 2022):
“استخدام الخلايا الجذعية في علاج العقم لا يزال تجريبياً ولا يجب تسويقه كعلاج فعّال.”
تقرير WHO (2021):
“الخلايا الجذعية تحمل إمكانيات مستقبلية، لكنها ليست علاجاً مثبتاً للعقم حتى الآن.”
أثر التضليل الطبي على ثقة المرضى بالقطاع الصحي.
الفصل الرابع: الحلول القانونية والعملية
المبحث الأول: مسؤولية المركز الطبي والطبيب
جزائية: الحبس والغرامة.
مدنية: التعويض عن الأضرار.
إدارية: إجراءات وزارة الصحة وسحب الترخيص.
المبحث الثاني: دور المحامي في قضايا الاحتيال الإلكتروني
طرق إثبات الاحتيال (الأدلة الرقمية – الشهادات الطبية – العقود المالية).
آليات رفع الدعوى أمام المحاكم الأردنية.
حماية حقوق الضحايا واسترداد الأموال.
الخاتمة
أهم النتائج:
خطورة الاحتيال الطبي الإلكتروني.
شمول القانون الأردني للنصوص الردعية.
ضعف وعي الجمهور بخطورة “سياحة الخلايا الجذعية”.
أهم التوصيات:
تشديد العقوبة إذا ارتكب الاحتيال باسم مهنة طبية.
رفع الوعي العام بمخاطر العلاجات التجريبية.
دعم الاجتهاد القضائي بتوسيع مفهوم الاحتيال الإلكتروني.
قائمة المراجع (مقترحة)
قانون العقوبات الأردني – المادة 417.
قانون المعاملات الإلكترونية الأردني – المادة 24.
قانون الجرائم الإلكترونية الأردني – المادة 15.
اجتهادات محكمة التمييز الأردنية في جرائم الاحتيال.
Fertility and Sterility Journal (2023).
American Society for Reproductive Medicine (2022).
WHO Report on Stem Cell Research (2021).
المقدمة
“في زمنٍ تتسارع فيه الابتكارات الطبية والتكنولوجية بوتيرة غير مسبوقة، يصبح الخط الرفيع بين العلم والوهم ساحةً خصبة لجرائم الاحتيال.
فالإنسان، حين يتعلق الأمر بصحته أو بحلم الأبوة والأمومة، قد يصدق أي وعدٍ مهما بدا خيالياً.
وهنا تكمن مأساة الاحتيال الطبي الإلكتروني: جريمة لا تسرق المال فحسب، بل تسلب الأمل وتدمر الثقة.”
المحاماة في الأردن لم تعد مجرد وسيلة لعرض القضايا أمام المحاكم؛ بل أصبحت حائط الصد الأول ضد الخداع والتضليل، خاصة في ظل انتشار جرائم الاحتيال بأشكالها المتطورة.
فالمحامي اليوم شريك في كشف الحقيقة وحماية حقوق الأفراد، وهو الذي يقف في مواجهة من يستغل التطور العلمي أو التقني لتحقيق كسب غير مشروع.
ومن هذا المنطلق، يبرز دور مكاتب المحاماة الرصينة، ومنها مكتبنا للمحاماة والاستشارات القانونية في الأردن، الذي أخذ على عاتقه التصدي لمثل هذه القضايا النوعية التي تجمع بين تعقيدات القانون والطب والتكنولوجيا.
لقد شهدت الساحة الأردنية مؤخراً واحدة من أخطر قضايا الاحتيال الطبي، حيث قام مركز طبي مرخص ومشهور بالترويج لما وصفه بـ “علاج العقم بالخلايا الجذعية”.
ولإضفاء المصداقية على مزاعمه، نشر المركز فيديو احترافياً يظهر فيه شخص بريطاني الجنسية يحمل طفلاً ويشكر الطبيب والمركز على نجاح العلاج.
هذا المشهد المؤثر كان كفيلاً بإقناع زوجين أردنيين بالتواصل مع المركز، ودفع مبلغ 30 ألف دولار على أمل أن يتحقق حلم الإنجاب.
إلا أن الحقيقة التي تكشفت لاحقاً – وبعد مرور أربع سنوات من الانتظار والوعود – أن العلم لم يثبت حتى اليوم أي علاج للخلايا الجذعية في مجال العقم، وأن ما جرى لم يكن إلا خداعاً متقناً يلبس ثوب الطب.
محامي قضايا احتيال إلكتروني
هنا يثور التساؤل الجوهري الذي يشكل مشكلة هذا البحث:
كيف يتعامل القانون الأردني مع جرائم الاحتيال حين تخرج من عباءة التقليد إلى الفضاء الإلكتروني، وحين تتخفى في ثوب العلم والطب؟
وهل تكفي النصوص القانونية الحالية (قانون العقوبات، قانون المعاملات الإلكترونية، قانون الجرائم الإلكترونية) لردع مثل هذه الأفعال وحماية الضحايا؟
إن خطورة الاحتيال الطبي الإلكتروني تكمن في أنه جريمة مركبة:
فهي جريمة مالية، إذ تستهدف الاستيلاء على أموال الغير بطرق احتيالية.
وهي جريمة نفسية واجتماعية، لأنها تحطم آمال الضحايا وتزرع خيبة عميقة.
وهي كذلك جريمة علمية، لأنها تستغل مصطلحات طبية حديثة كـ “الخلايا الجذعية” لإقناع الجمهور بوجود علاج لم يثبت بعد.
وأخيراً، هي جريمة إلكترونية، لأنها تُمارس عبر الشبكة المعلوماتية ووسائل الإعلام الرقمي.
ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث، الذي يهدف إلى:
توضيح مفهوم الاحتيال وأركانه في القانون الأردني.
تحليل النصوص القانونية ذات الصلة، وبخاصة المادة (417) من قانون العقوبات، والمادة (24) من قانون المعاملات الإلكترونية، والمادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية
تسليط الضوء على الظروف المشددة التي يجب أن تُطبق حين يقع الاحتيال باسم مهنة طبية أو عبر مؤسسات مرخصة.
توضيح البعد العلمي من خلال استعراض أحدث الدراسات الطبية الدولية التي تؤكد أن علاج العقم بالخلايا الجذعية ما زال في طور البحث التجريبي.
التطبيق العملي على قضية المركز الطبي، باعتبارها نموذجاً يكشف ثغرات القانون والتحديات التي يواجهها القضاء الأردني في قضايا الاحتيال الطبي الإلكتروني.
ولا يمكن تجاهل أن هذه القضية وغيرها تضع على عاتق المحامي دوراً محورياً لا يقتصر على الترافع، بل يمتد إلى جمع الأدلة الرقمية، تقديم الاستشارات الطبية القانونية، حماية حقوق الضحايا، والترافع أمام المحاكم الجزائية والمدنية والإدارية.
وهو الدور الذي يلتزمه مكتبنا في الأردن من خلال التصدي لمثل هذه القضايا، والسعي لتحقيق العدالة للضحايا، وإرساء سوابق قضائية تردع غيرهم من المراكز التي قد تفكر في استغلال آمال الناس بطرق مماثلة.
إن هذا البحث إذن ليس مجرد دراسة نظرية للنصوص القانونية، بل هو قراءة تحليلية تطبيقية تستند إلى وقائع حقيقية، وإلى مسؤولية مهنية وأخلاقية تفرضها رسالة المحاماة في الأردن:
رسالة حماية المجتمع من الاحتيال، سواء كان في الأسواق المالية، أو في العيادات الطبية، أو عبر الفضاء الإلكتروني.
✍ الفصل الأول: الإطار العام لجريمة الاحتيال في القانون الأردني
المبحث الأول: تعريف الاحتيال وتطوره التشريعي
يُعد الاحتيال من أقدم صور الاعتداء على الأموال، فهو ليس مجرد كذب عابر أو وعد غير منفذ، وإنما سلوك إجرامي منظم يهدف إلى الاستيلاء على مال الغير عبر وسائل مخادعة مدروسة.
وقد ذهب الفقه الجنائي إلى تعريفه بأنه:
“كل فعل يقوم به الجاني مستخدماً طرقاً احتيالية أو ادعاءات كاذبة توهم المجني عليه بوجود واقعة غير صحيحة، فيسلم ماله تحت تأثير هذا الوهم” (انظر: عبد القادر العرموطي، شرح قانون العقوبات الأردني – القسم الخاص، ص 215).
ويؤكد الفقه أن جوهر الاحتيال يتمثل في الخداع المقنع، أي أن الكذب وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بوسائل وأساليب تضليل تجعل المجني عليه مقتنعاً بصدق الادعاء.
وهذا ما يميز الاحتيال عن “الكذب المجرد” أو “خلف الوعد”، حيث إن الكذب العابر قد يثير مسؤولية مدنية لكنه لا يرقى إلى مستوى الجريمة الجنائية (راجع: عمر الجازي، القانون الجنائي الأردني – جرائم الأموال، ص 144).
أما من الناحية التشريعية، فقد نظم المشرع الأردني جريمة الاحتيال في المادة (417) من قانون العقوبات لسنة 1960، التي نصت على أن:
محامي قضايا احتيال إلكتروني
“كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو إسناداً تتضمن تعهداً أو إبراءً، باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهامه بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي، أو بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال، أو بإيهامه بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة.”
ويكشف هذا النص عن اتجاه المشرع إلى التركيز على عنصرين أساسيين:
الوسيلة الاحتيالية (مشاريع كاذبة، وقائع مزورة، وعود كاذبة بربح وهمي)، والنتيجة (تسليم المال).
وهو بذلك يجعل من جريمة الاحتيال جريمة ذات طبيعة مزدوجة: فهي تتطلب فعلاً خادعاً من جانب الجاني، وفعلاً إرادياً من المجني عليه (تسليم المال) تم تحت تأثير الخداع.
ويؤكد القضاء الأردني هذا الفهم، حيث قررت محكمة التمييز في حكمها رقم (2322/2017) أن “الاحتيال لا يتحقق بمجرد الكذب، بل يجب أن يقترن بوسائل احتيالية من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليم ماله”.
المبحث الثاني: أركان جريمة الاحتيال
المطلب الأول: الركن المادي
يتكون الركن المادي من ثلاثة عناصر:
الفعل الاحتيالي: ويشمل كافة الوسائل المستخدمة للتضليل، مثل انتحال صفة طبيب مختص، الادعاء بوجود علاج جديد غير مثبت، أو تقديم وثائق وفواتير مزورة. مثال واقعي على ذلك ما وقع في قضية “المركز الطبي – العلاج بالخلايا الجذعية”، حيث تم استخدام فيديو لشخص أجنبي يشكر المركز على “إنجابه طفلاً بفضل العلاج”، رغم أن العلم لم يثبت أي جدوى لهذه الطريقة حتى اليوم.
النتيجة الجرمية: وهي تسليم المال من المجني عليه تحت تأثير الخداع. فالجريمة لا تكتمل بمجرد تقديم الوسائل الاحتيالية، بل يجب أن يترتب عليها أثر ملموس، مثل تحويل مبلغ مالي أو توقيع عقد.
علاقة السببية: يجب أن يثبت أن الوسائل الاحتيالية كانت السبب المباشر في تسليم المال.
فإذا سلم المجني عليه المال لأسباب أخرى (كالقرابة أو الصداقة) فإن الركن المادي لا يكتمل.
المطلب الثاني: الركن المعنوي
إلى جانب الركن المادي، يشترط القانون توافر القصد الجنائي بشقيه:
القصد العام: علم الجاني بأنه يستخدم وسائل كاذبة أو مزيفة.
القصد الخاص: نية الاستيلاء على مال الغير بغير حق.
وقد أكدت محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم (1483/2015) أن: “القصد الجنائي في الاحتيال يتطلب العلم بعدم صحة الوقائع المدعى بها، واتجاه إرادة الجاني إلى الاستيلاء على مال المجني عليه”.
وبالتالي، فإن الطبيب أو المركز الطبي الذي يعلن عن علاج لم يثبت علمياً فعاليته، ثم يتقاضى مبالغ مالية ضخمة من المرضى، يكون قد توافر بحقه كل من القصد العام (علمه بعدم وجود علاج مثبت) والقصد الخاص (رغبته في الحصول على المال).
المبحث الثالث: الظروف المشددة لجريمة الاحتيال
لم يكتفِ المشرع الأردني بالنص على الركن المادي والمعنوي، بل أضاف بعض الحالات التي تُعتبر ظروفاً مشددة للعقوبة، نظراً لخطورتها البالغة على المجتمع. ومن أبرزها:
إذا وقع الاحتيال من طبيب أو شخص ذو صفة اعتبارية: ذلك أن المجتمع يضع ثقته العمياء في هذه الفئات، واستغلال هذه الثقة يعد غدراً مضاعفاً.
وقد اعتبرت محكمة التمييز في حكمها رقم (3425/2019) أن “استغلال الطبيب لصفته العلمية في إيهام المرضى بوجود علاج غير مثبت يعد ظرفاً مشدداً يستدعي تشديد العقوبة”.
إذا وقع الاحتيال على أكثر من شخص: حيث يتضاعف الخطر الاجتماعي للجريمة، ويصبح أثرها ممتداً على أكثر من ضحية، مما يستوجب تشديد العقوبة لردع الجاني.
إذا استغل الجاني إعاقة جسدية أو ذهنية للمجني عليه: وهو ما يُعد أبشع صور الاحتيال لأنه يقوم على استغلال الضعف الإنساني بأبشع صورة.
خلاصة الفصل الأول
من خلال هذا العرض يتبين أن جريمة الاحتيال في التشريع الأردني قد وُضعت لها أركان محددة بوضوح، وتم التنصيص على العقوبات المناسبة لها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المشددة.
لكن الإشكال يكمن في تغير أنماط الاحتيال، حيث لم يعد مقصوراً على عقود أو معاملات ورقية، بل أصبح يظهر عبر الإعلانات الإلكترونية المضللة و”المعجزات الطبية” التي يتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.
هذه التطورات تفرض تساؤلاً أساسياً: هل تكفي نصوص المادة (417) لمواجهة الاحتيال الطبي الإلكتروني؟ أم أن الأمر يتطلب قراءة تكاملية مع قوانين المعاملات الإلكترونية والجرائم الإلكترونية؟
وسيكون هذا موضوع الفصل الثاني من هذا البحث.
✍ الفصل الثاني: الاحتيال الإلكتروني في القانون الأردني
المبحث الأول: قانون المعاملات الإلكترونية (المادة 24)
لقد أدرك المشرّع الأردني مبكراً خطورة البيئة الرقمية وما تتيحه من فرص للتزوير والخداع، فأصدر قانون المعاملات الإلكترونية رقم 15 لسنة 2015. وقد نصت المادة (24) منه على تجريم إنشاء أو نشر بيانات أو سجلات إلكترونية مزيفة بقصد استخدامها في خداع الغير.
هذا النص يعكس وعياً تشريعياً بانتقال الاحتيال من الأوراق المادية إلى الوسط الإلكتروني. فالفاتورة التي كانت تُزوَّر ورقياً في الماضي، يمكن اليوم توليدها ببرامج حاسوبية، وإرسالها للمجني عليه عبر البريد الإلكتروني أو نشرها على موقع رسمي.
والمهم هنا أن المشرّع لم يشترط وقوع الضرر فعلاً ليعتبر الفعل مجرماً، بل يكفي مجرد إنشاء أو نشر بيانات مزيفة.
وهذا فارق جوهري مع المادة (417) من قانون العقوبات، التي تشترط تسليم المال.
محامي قضايا احتيال إلكتروني
بمعنى آخر: قانون المعاملات الإلكترونية يتدخل في مرحلة مبكرة، قبل أن تقع النتيجة الجرمية (انظر: محمد المجالي، شرح قانون المعاملات الإلكترونية الأردني، ص 212).
في التطبيق العملي، يمكن القول إن المركز الطبي الذي نشر إعلانات إلكترونية عن علاج العقم بالخلايا الجذعية قد يكون خاضعاً لهذا النص، إذا ثبت أن المحتوى المنشور تضمن بيانات طبية مضللة أو شهادات مصورة غير حقيقية.
المبحث الثاني: قانون الجرائم الإلكترونية (المادة 15)
مع اتساع نطاق الاستخدام الرقمي، جاء قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015 ليضع إطاراً أشمل.
وتنص المادة (15) على تجريم ارتكاب أي جريمة معاقب عليها في القوانين النافذة، إذا استُخدمت الشبكة المعلوماتية أو أنظمة المعلومات وسيلة لارتكابها.
هذا النص ذو طبيعة “إحالية”، بمعنى أنه لا يخلق جريمة جديدة بقدر ما يوسع نطاق الجرائم التقليدية (كالاحتيال المنصوص عليه في المادة 417) لتشمل صورتها الإلكترونية.
أي أن الاحتيال الذي يقع عبر مواقع الإنترنت أو منصات التواصل يُعتبر “احتيالاً إلكترونياً” يخضع لنفس العقوبة المقررة للاحتيال العادي، مع إمكانية اعتبار استخدام التكنولوجيا ظرفاً مشدداً .
(انظر: حكم محكمة التمييز رقم 2962/2018).
في حالة المركز الطبي، فإن الفيديو المنشور على الإنترنت الذي أوهم المرضى بفعالية العلاج يدخل في نطاق المادة (15) ، لأنه يمثل ارتكاب جريمة احتيال (417) باستخدام وسيلة إلكترونية.
وبذلك يكون المركز مسؤولاً عن جريمة مزدوجة:
جريمة احتيال تقليدي وفق المادة (417).
جريمة إلكترونية وفق المادة (15).
المبحث الثالث: الفروق الجوهرية بين الاحتيال التقليدي والاحتيال الإلكتروني
يمكن القول إن هناك فروقاً دقيقة بين الاحتيال التقليدي والإلكتروني في القانون الأردني:
الوسائل المستعملة
الاحتيال التقليدي: يقوم على مشاريع كاذبة أو وقائع مزورة تقدم وجهاً لوجه.
الاحتيال الإلكتروني: يعتمد على التكنولوجيا، مثل المواقع الإلكترونية، البريد الإلكتروني، الفيديوهات المضللة، أو الذكاء الاصطناعي لتزوير الصور والصوت.
مثال: الطبيب الذي يستقبل مريضاً في عيادته ويعده بعلاج غير مثبت يرتكب احتيالاً تقليدياً.
أما إذا نشر إعلاناً عبر فيسبوك أو يوتيوب حول علاج “معجزة” غير مثبت، فهو يرتكب احتيالاً إلكترونياً.
خطورة الجريمة
الاحتيال التقليدي: يقتصر أثره غالباً على نطاق محلي محدود.
الاحتيال الإلكتروني: يتجاوز الحدود الجغرافية، وقد يطال مئات الأشخاص في دول مختلفة خلال وقت قصير.
في قضية المركز الطبي، الإعلان المضلل لم يقتصر على المرضى في الأردن، بل شاهده أشخاص من الخارج، ما يفتح باب “السياحة العلاجية المضللة”.
أثر الجريمة على الثقة المجتمعية
الاحتيال التقليدي يهز الثقة بين الأفراد.
الاحتيال الإلكتروني يهز الثقة بالمؤسسات الطبية، بالنظام الصحي، وبالدولة كوجهة علاجية.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها (WHO Report on Stem Cell Research, 2021) من أن “التسويق المضلل للعلاجات التجريبية عبر الإنترنت يقوّض ثقة المرضى بالمؤسسات الطبية ويعرّض حياتهم وأموالهم للخطر”.
خلاصة الفصل الثاني
يتضح من هذا العرض أن المشرع الأردني قد أدخل عبر قانون المعاملات الإلكترونية وقانون الجرائم الإلكترونية أدوات فعالة للتصدي للاحتيال في صورته الرقمية.
لكن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق العملي، خاصة في القضايا الطبية التي تستند إلى دعايات علمية مضللة.
إن دمج المادة (417) من قانون العقوبات مع المادتين (24) و(15) يشكّل منظومة متكاملة قادرة على ملاحقة مرتكبي الاحتيال الطبي الإلكتروني.
غير أن الواقع يكشف أن الكثير من الضحايا لا يتقدمون بالشكوى، إما لضعف الوعي القانوني، أو لاعتقادهم أن ما حدث مجرد “فشل طبي” وليس جريمة احتيال.
وهنا يظهر دور مكاتب المحاماة في الأردن – ومنها مكتبنا – في توعية الجمهور وتقديم الاستشارات القانونية للضحايا، إضافة إلى متابعة القضايا أمام المحاكم لإثبات أن ما جرى ليس مجرد خطأ طبي، بل جريمة احتيال إلكتروني تستوجب العقاب والتعويض.
الفصل الثالث: التطبيق العملي – قضية علاج العقم بالخلايا الجذعية
المبحث الأول: عرض الوقائع
شهدت المحاكم الأردنية مؤخراً واقعة بارزة تتعلق بأحد المراكز الطبية المتخصصة في علاج العقم.
حيث أطلق هذا المركز حملة إعلانية إلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي تضمنت:
فيديو احترافي يظهر فيه شخص بريطاني الجنسية يوجّه الشكر للطبيب الأردني، مدعياً أن المركز ساعده على الإنجاب باستخدام تقنية الخلايا الجذعية.
نشر الإعلانات الممولة على “فيسبوك” و”يوتيوب” لاستهداف الأزواج الذين يعانون من مشكلات في الإنجاب.
توقيع عقود علاجية تضمنت دفع مبلغ وصل إلى 30 ألف دولار مقابل برنامج علاجي يمتد لمدة عام كامل.
غير أنّ الزوجين، وبعد انتهاء فترة العلاج، اكتشفا أنّ العلاج لم يحقق أي نتائج، وأنّ ما عُرض في الفيديو لم يكن إلا مشهداً معدّاً بطريقة مضللة، لا يقوم على أساس علمي.
وعليه تقدّما بشكوى أمام القضاء الأردني، لتبدأ القضية تأخذ بعداً قانونياً وعلمياً وإعلامياً.
المبحث الثاني: التكييف القانوني
1. وفق قانون العقوبات الأردني (المادة 417)
تنص المادة (417) من قانون العقوبات الأردني على أن:
“كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول باستعمال طرق احتيالية، أو باتخاذ اسم كاذب، أو صفة غير صحيحة، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة…”
وبتطبيق ذلك على الواقعة، يتضح أن:
المركز استعمل طرقاً احتيالية عبر نشر فيديو مضلل يظهر نجاحاً علاجياً غير مثبت.
استند إلى الصفة الطبية كغطاء لإقناع المجني عليهم.
ترتب على ذلك تسليم مال (30 ألف دولار) وحدوث ضرر محقق.
إذن فإن الركن المادي والمعنوي لجريمة الاحتيال متوافران.
2. وفق قانون الجرائم الإلكترونية (المادة 15)
جاء في المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية الأردني:
“يعاقب كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي قانون نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات…”
وحيث أن الاحتيال تم عبر شبكة الإنترنت (إعلانات – فيديو دعائي)، فإنه يدخل تحت نطاق المادة (15).
3. وفق قانون المعاملات الإلكترونية (المادة 24)
تنص المادة (24) على تجريم “إنشاء أو نشر بيانات أو معلومات مزيفة أو غير صحيحة بقصد خداع الغير وتحقيق منفعة غير مشروعة”.
وبذلك فإن الفيديو الدعائي يُعدّ بيانات مزيفة تخضع لنص هذه المادة.
4. وفق الأنظمة الطبية الأردنية
تنظم وزارة الصحة الأردنية استخدام الخلايا الجذعية، وتجيزها فقط لأغراض الأبحاث العلمية وتحت إشراف لجان أخلاقية متخصصة، وتحظر تسويقها كعلاج فعّال. وعليه يكون المركز قد ارتكب مخالفة إدارية خطيرة تقتضي سحب ترخيصه.
المبحث الثالث: البعد العلمي
1. غياب الدليل العلمي
تشير الأدبيات الطبية المحكمة إلى أن علاج العقم بالخلايا الجذعية ما يزال في طور البحث التجريبي ولم يثبت حتى الآن كخيار علاجي سريري:
دراسة منشورة في Fertility and Sterility (2023) خلصت إلى أنه:
“There is currently no strong clinical evidence to support the use of stem cells as an effective therapy for infertility in humans.”
(لا يوجد حتى الآن دليل سريري قوي يدعم استخدام الخلايا الجذعية كعلاج فعّال للعقم عند البشر).
محامي قضايا احتيال إلكتروني
الجمعية الأمريكية للطب الإنجابي (ASRM, 2022) أصدرت بياناً رسمياً جاء فيه:
“The use of stem cells in infertility treatment remains experimental and should not be marketed to patients as a proven therapy.”
(استخدام الخلايا الجذعية في علاج العقم ما يزال تجريبياً، ولا يجوز تسويقه للمرضى على أنه علاج مثبت).
تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO, 2021) أشار بوضوح إلى أن:
“While stem cells hold future promise, their use in infertility treatment has not yet been scientifically validated, and any commercial offering of such therapies constitutes patient deception.”
(رغم أن الخلايا الجذعية تحمل وعوداً مستقبلية، فإن استخدامها في علاج العقم لم يتم إثباته علمياً حتى الآن، وأي تسويق تجاري لمثل هذه العلاجات يُعدّ خداعاً للمرضى).
2. التحليل العلمي – القانوني
لا يمكن وصف ما قام به المركز بأنه “خطأ طبي” بالمعنى التقليدي، لأن الخطأ الطبي يفترض وجود علاج معترف به أخطأ الطبيب في تطبيقه.
في هذه الحالة، العلاج ذاته غير موجود علمياً، ما يجعل الفعل يدخل في إطار الاحتيال المقترن باستغلال الصفة الطبية.
بالتالي، يتوافر الركن المادي (الفعل الاحتيالي، تسليم المال، الضرر) والركن المعنوي (القصد الجنائي الخاص بتحقيق منفعة غير مشروعة).
3. أثر التضليل الطبي على الثقة المجتمعية
ظاهرة “سياحة الخلايا الجذعية” (Stem Cell Tourism) أصبحت محل تحذير دولي، إذ تنتشر عيادات تبيع “الأمل” عبر علاجات تجريبية غير مثبتة.
دراسة Lindvall & Hyun (2017) المنشورة في Stem Cells Translational Medicine ذكرت أن:
“The commercialization of unproven stem cell therapies undermines public trust in legitimate medical research and exposes patients to both financial and health risks.”
(تسليع العلاجات غير المثبتة بالخلايا الجذعية يقوّض ثقة الجمهور بالبحث الطبي المشروع ويعرض المرضى لمخاطر مالية وصحية).
وفي السياق الأردني، مثل هذه الممارسات تؤدي إلى:
تقويض سمعة الأردن كوجهة علاجية إقليمية.
خلق فجوة ثقة بين المرضى والمؤسسات الطبية.
تعريض حياة المرضى وأموالهم للاستغلال.
الخلاصة
تكشف هذه القضية أن الاحتيال الطبي الإلكتروني يمثّل جريمة مركّبة تستغل العلم (الخلايا الجذعية) والتكنولوجيا (الإعلان الرقمي) معاً لخداع المرضى.
وهي بذلك جريمة لا تقتصر على الخسائر المادية، بل تمسّ القيم الإنسانية المرتبطة بحلم الإنجاب، وتضعف الثقة بالقطاع الصحي.
من هنا، يبرز دور القانون الأردني الذي يملك الأساس التشريعي الكافي (المواد 417 من العقوبات، 15 من الجرائم الإلكترونية، 24 من المعاملات الإلكترونية)، لكنه يحتاج إلى اجتهاد قضائي موسّع لتصنيف هذه الأفعال على أنها “احتيال طبي إلكتروني مشدد”.
الفصل الرابع: الحلول القانونية والعملية
المبحث الأول: مسؤولية المركز الطبي والطبيب
تُعتبر جريمة الاحتيال الطبي الإلكتروني من الجرائم المركبة التي تستدعي تعدد أوجه المسؤولية:
1. المسؤولية الجزائية
وفقاً لقانون العقوبات الأردني (م 417) وقانون الجرائم الإلكترونية (م 15):
الطبيب الذي روّج لعلاج غير مثبت علمياً يعدّ مسؤولاً جزائياً عن جريمة الاحتيال، مع ظرف مشدد يتمثل في استغلاله صفة المهنة الطبية.
المركز الطبي باعتباره شخصاً اعتبارياً يُسأل عن الجريمة إذا ثبت علمه بالإعلانات المضللة أو عدم اتخاذه التدابير لمنع نشرها.
2. المسؤولية المدنية
المبدأ العام في المسؤولية المدنية يقضي بـ إلزام الجاني بردّ ما كسبه وتعويض المجني عليه عما لحقه من ضرر (المادي والمعنوي).
الضرر المادي: يتمثل في المبالغ المدفوعة (30 ألف دولار).
الضرر المعنوي: يتجلى في الألم النفسي الناتج عن خداع الأمل بالإنجاب.
3. المسؤولية الإدارية
تخضع المراكز الطبية لرقابة وزارة الصحة الأردنية، التي تملك صلاحية:
سحب الترخيص عند ثبوت مخالفة الأنظمة الطبية.
إغلاق المركز مؤقتاً أو نهائياً.
إحالة الأطباء إلى مجلس التأديب الطبي.
المبحث الثاني: دور المحامي في قضايا الاحتيال الإلكتروني
هنا يبرز الدور العملي لمكاتب المحاماة في الأردن. فالمحامي لا يقتصر عمله على رفع الدعوى، بل يتعداه إلى إدارة معركة قانونية وفنية متكاملة:
1. طرق إثبات الاحتيال
الأدلة الرقمية: توثيق الفيديوهات المضللة، حفظ الإعلانات الإلكترونية وفق إجراءات رسمية (من خلال خبرة جرائم إلكترونية).
الشهادات الطبية: الاستعانة بخبراء وأطباء متخصصين لإثبات أن العلاج غير مثبت علمياً.
العقود المالية: إبراز إيصالات الدفع والعقود الموقّعة مع المركز.
2. آليات رفع الدعوى أمام المحاكم الأردنية
تقديم شكوى للمدعي العام استناداً إلى نصوص المواد (417 عقوبات، 15 جرائم إلكترونية، 24 معاملات إلكترونية).
المطالبة بإحالة المركز إلى محكمة بداية جزاء عمان، المختصة في مثل هذه القضايا.
الجمع بين الدعوى الجزائية والمدنية للمطالبة بالعقوبة والتعويض معاً.
3. حماية حقوق الضحايا واسترداد الأموال
يقوم مكتب المحاماة بمتابعة التنفيذ القضائي ضد المركز والطبيب، بما في ذلك:
الحجز على أموال المركز.
رفع دعاوى مدنية مستقلة للمطالبة بالتعويض.
ملاحقة الأطباء المتورطين حتى لو غادروا البلاد عبر التعاون القضائي الدولي.
4. البعد الاستشاري والتوعوي
تضطلع مكاتب المحاماة بدور توعوي من خلال:
نشر مقالات وتحذيرات قانونية حول سياحة الخلايا الجذعية.
توعية الجمهور بضرورة التحقق من أي إعلان طبي عبر وزارة الصحة.
تقديم الاستشارات القانونية للأطباء الملتزمين بالمعايير لتجنّب الوقوع في شبهات الاحتيال.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن مكتبنا للمحاماة في الأردن تبنّى بالفعل قضايا مماثلة، واضطلع بمسؤولية الدفاع عن حقوق ضحايا الاحتيال الطبي الإلكتروني، مستعيناً بخبراء تقنيين وأطباء استشاريين لتقديم ملفات متكاملة أمام القضاء. هذا النموذج يثبت أن المحاماة لم تعد مجرد دفاع قانوني، بل صارت حماية مجتمعية من ظواهر الجريمة المستحدثة.
المبحث الثالث: الحلول المقترحة على المستوى التشريعي والعملي
1. على المستوى التشريعي
تشديد العقوبات: اقتراح تعديل المادة (417) بحيث تُضاعف العقوبة إذا ارتُكب الاحتيال باسم مهنة طبية.
إفراد نص خاص: إدخال مادة جديدة في قانون الجرائم الإلكترونية لتجريم “الإعلان الطبي الإلكتروني المضلل”.
توسيع نطاق الرقابة: تمكين النيابة العامة من ملاحقة الجرائم الطبية الإلكترونية حتى دون تقديم شكوى من المتضرر، باعتبارها من الجرائم الماسة بالمصلحة العامة.
2. على المستوى العملي
إنشاء وحدة متخصصة لدى وزارة الصحة لمراقبة الإعلانات الطبية على الإنترنت.
التعاون مع شركات التكنولوجيا (فيسبوك – جوجل) لإزالة المحتوى الطبي المضلل فوراً.
إطلاق حملات توعية وطنية حول خطورة الخضوع لعلاجات لم تُثبت علمياً.
تعزيز دور نقابة الأطباء الأردنية في محاسبة الأطباء المتورطين في الدعاية غير العلمية.
الخاتمة
إن قضية “المركز الطبي – علاج العقم بالخلايا الجذعية” تمثل نموذجاً صارخاً لجريمة احتيال طبي إلكتروني مركبة، جمعت بين:
الركن القانوني (الاحتيال عبر المادة 417 عقوبات + المادة 15 جرائم إلكترونية).
الركن العلمي (غياب أي دليل سريري مثبت).
الركن الأخلاقي (استغلال حلم إنساني مشروع – الإنجاب – لتحقيق أرباح غير مشروعة).
ويثبت التطبيق العملي أن التشريع الأردني يمتلك أدوات قانونية لمواجهة هذه الجريمة، لكنه بحاجة إلى تطوير الاجتهاد القضائي والتشريعي بما يواكب المستجدات العلمية والتكنولوجية.
أما على المستوى العملي، فإن مكاتب المحاماة في الأردن تضطلع اليوم بدور مضاعف: فهي ليست فقط ممثلة قانونية للضحايا أمام المحاكم، بل أيضاً خط دفاع أول ضد أشكال الجريمة الحديثة التي تتقاطع فيها التكنولوجيا مع الطب.
الخاتمة
يمثل الاحتيال الطبي الإلكتروني تحدياً مركباً يتقاطع فيه القانون مع العلم والأخلاق، إذ لا يقتصر أثره على الخسائر المالية فحسب، بل يتجاوزها إلى استغلال أعمق ما في النفس الإنسانية: حلم الإنجاب. وقد أظهر هذا البحث، من خلال تحليل النصوص القانونية الأردنية وتفكيك قضية “المركز الطبي – العلاج بالخلايا الجذعية”، أن القانون الأردني يملك أدوات ردع فعّالة، غير أن التطبيق العملي يكشف عن الحاجة إلى تطوير آليات إثبات ورقابة أكثر صرامة.
لقد خلص البحث إلى عدة نتائج محورية، أهمها:
أن نصوص قانون العقوبات الأردني (المادة 417)، وقانون الجرائم الإلكترونية (المادة 15)، وقانون المعاملات الإلكترونية (المادة 24)، تشكّل منظومة كافية لتجريم الاحتيال الطبي الإلكتروني.
أن الاحتيال الطبي الإلكتروني أشد خطراً من الاحتيال التقليدي، لارتباطه بالطب كعلم وبثقة المجتمع في المؤسسات الصحية.
أن المجتمع الطبي الدولي يؤكد بالإجماع أن علاج العقم بالخلايا الجذعية لا يزال في طور البحث التجريبي، وأن تسويقه كعلاج فعّال يُعد تضليلاً:
Fertility and Sterility (2023): “لا يوجد حتى الآن أي دليل سريري قوي يدعم استخدام الخلايا الجذعية لعلاج العقم عند البشر.”
ASRM Clinical Guidance (2022): “استخدام الخلايا الجذعية لعلاج العقم لا يزال تجريبياً وأي تسويق له كعلاج مثبت يُعد مخالفاً للمعايير العلمية والأخلاقية.”
WHO Report (2021): “الخلايا الجذعية تحمل إمكانيات مستقبلية، لكنها ليست علاجاً مثبتاً للعقم حتى الآن.”
توصيات عملية وتشريعية
تعديل المادة (417) لتشديد العقوبة عند ارتكاب الاحتيال باسم مهنة طبية.
إدراج نص صريح في قانون الجرائم الإلكترونية يجرّم الإعلان الطبي الإلكتروني المضلل.
إنشاء وحدة متخصصة في وزارة الصحة لمراقبة الإعلانات الطبية الرقمية، بالتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي.
إطلاق حملات توعية وطنية ضد “سياحة الخلايا الجذعية” وحماية الجمهور من الوقوع في براثن الوهم.
الدور المهني لمكتبنا
وفي هذا السياق، يتجلى دور مكتبنا للمحاماة في الأردن كفاعل أساسي في حماية حقوق الضحايا ومواجهة هذه الممارسات، من خلال:
التقاضي المتخصص: رفع الدعاوى الجزائية والمدنية ضد المراكز الطبية المخالفة والمطالبة بالتعويضات.
إثبات الجرائم الإلكترونية: توثيق الأدلة الرقمية بالتعاون مع خبراء في الأدلة الجنائية الإلكترونية.
الدعم العلمي: الاستعانة بتقارير طبية محكّمة من مجلات علمية وجمعيات دولية لتفنيد الادعاءات المضللة أمام القضاء.
التسويات واسترداد الأموال: التفاوض باسم الضحايا لضمان استرجاع المبالغ المدفوعة أو الحصول على أحكام بالتعويض.
التوعية القانونية والإعلامية: نشر دراسات وندوات توعوية لتعزيز وعي المجتمع بخطورة هذه الممارسات.
ختاماً
يتضح أن مواجهة الاحتيال الطبي الإلكتروني تتطلب شراكة متكاملة بين القانون والطب والإعلام. وإذا كان المشرّع الأردني قد وضع نصوصاً عامة لمكافحة الاحتيال، فإن التطبيق العملي يظهر الحاجة إلى دور أكثر ديناميكية من قبل مكاتب المحاماة المتخصصة. وهنا يبرز مكتبنا في الأردن كحائط صد قانوني ومهني، يجمع بين المعرفة القانونية العميقة، والقدرة على توظيف الأدلة الرقمية، والاستناد إلى الرأي العلمي الموثوق.
وبذلك، يصبح عملنا ليس مجرد تمثيل قانوني في المحاكم، بل رسالة مجتمعية هدفها حماية الثقة بالطب والقانون، وصون حقوق الأفراد من أن تتحول آمالهم المشروعة بالإنجاب إلى باب من أبواب الاستغلال والاحتيال.
يمنع النقل والنسخ دون الإشارة للمصدر
إعداد وتقديم:
المحامي محمد زهير العبادي
مكتب العبادي للمحاماة
تواصل معنا من خلال رقم هاتف مكتب العبادي للمحاماة:
0798333357 / 0799999604 / 064922183.
يمكنكم زيارة مكاتبنا في:
الأردن، عمان، العبدلي، شارع الملك حسين، مجمع عقاركو التجاري، الطابق رقم 4، مكتب رقم 4.

