1. يعتبر الإثبات في المسائل الجزائية قوامه الاقتناع الوجداني في ظل عدم تحديد أي قيمة ثبوتية من المشرع لمختلف أدلة الإثبات بل جعل من ضمير القاضي الجزائي مصدر قوة في الإثبات، ولذلك قيل أن الأدلة في المواد الجزائية إقناعية بخلاف الأدلة في المواد المدنية وتحديداً في الحالة المعروضة (الأدلة الكتابية منها) مما يؤدي إلى اختلاف إجراءات قبول الدليل، فإن كانت الضبوط في المسائل الجزائية لا يعمل بها إلا بعد سماع شهادة منظميها والتثبت من توافر شروطها القانونية كي تعتبر دليلاً مقبولاً في الإثبات ليصار بعد ذلك السماح للمشتكي بتقديم الدليل لإثبات عكس ما ورد بها إلا بعد سماع شهادة منظميها متعلقاً أمر ذلك بالنظام العام وفقاً للسياسة التشريعية التي تقوم عليها فكرة التجريم والعقاب لمعاقبة الجاني بالذات دون أي شخص آخر بدلاً عنه لتحقيق الردع الخاص والردع العام . 2. ارتأى المشرع وفقاً لمبدأ شخصية العقوبة أن لا يترك الأمر لمشيئة الخصوم فمنح المشرع المحكمة الجزائية الدور الإيجابي الكبير في سبيل استجلاء الحقيقة باعتبار أن مرحلة المحاكمة هي مرحلة التحقيق النهائي لدعوى الحق العام. أما الإثبات في المسائل المدنية فإنه يقوم على فكر مغاير لما يقوم عليه الإثبات في المسائل الجزائية باعتبار أن الدعوى المدنية هي دعوى لا يكون المجتمع بأسره ممثلاً فيها من خلال النيابة العامة، بل أن الخصوم يرمون فيها إلى مصالحهما الخاصة مما يدعو للقول إن البينات من حق الخصوم وأن المحكمة تكون مقيدة بطلباتهم إلا في نطاق ضيق أورد المشرع تفصيلاته في أحكام المادة (100) من قانون أصول المحاكمات المدنية، والمادة (185) من القانون ذاته، وعليه فإن الضبط المنظم من قبل الضابطة العدلية يعمل به لدى المحاكم المدنية دون دعوة منظمه – مع مراعاة حجية الحكم الجزائي القطعي إن وجد – ومن حق من يحتج به عليه أن يفنده أو يطلب سماع من قام بتنظيمه لهدم حجيته إن استطاع باعتبار أن البينات من حق الخصوم، فإن لم يبدِ اعتراض عليه ولم يطلب سماع منظمه فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تتصدى لهذا الأمر من تلقاء نفسها كون هذا الدليل وفقاً لقانون البينات يجوز بناء الحكم عليه، مع مراعاة أحكام المادة (151) من قانون أصول المحاكمات الجزائية من حيث جواز إثبات عكسه في غير الحالات التي لم يصدر بها حكم جزائي قطعي .
اثبات بوجه عام ================================= الطعن رقم 1264 لسنة 19 مكتب فنى 01 صفحة رقم 59 بتاريخ 08-11-1949 الموضوع : بلاغ كاذب فقرة رقم : 1 يجب أن يكون الحكم صادراً عن عقيدة للقاضى يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً فى تحصيل هذه العقيدة بنفسه و لا يشاركه فيه غيره ، فلا يصح فى القانون أن يدخل فى تكوين عقيدته فى صحة الواقعة التى أقام قضاءه عليها أو عدم صحتها حكماً لسواه . و إذن فإذا كانت المحكمة قد جعلت من عناصر إقتناعها بثبوت تهمة البلاغ الكاذب على المتهم رأى ضابط البوليس فى أن الشكوى المقدمة منه غير صحيحة و أنها كيدية القصد منها النكاية بالمجنى عليه ، فإن حكمها يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
( الطعن رقم 1264 سنة 19 ق ، جلسة 1949/11/8 ) =================================