معلوم إنه ومن حيث المبدأ ، إن إقامة الدعوى قاطع للتقادم ، حتى ولو قُدمت الدعوى إلى محكمة غير مختصة ، ولكن من وجهة نظر فقهية ، إن مجرد إقامة الدعوى كإجراء ليس بقاطع للتقادم ، وإنما ما يقطع التقادم هو إقامة الدعوى وإجراء التبليغ ، التالي لقيد هذه الدعوى ، والمقصود بالتبليغ هو التبليغ إلى المدعى عليه ، المدين بالحق أو الالتزام ، فما يقطع التقادم ، هو علم المدين بالمطالبة التي قام بها المدعي الدائن ، وليس مجرد إجراء قيد الدعوى. وحقيقة لم أجد في سورية ، اجتهاد أو رأي فقهي ، يؤيد هذا الرأي ، ولكن وجدت ذلك في الاجتهاد القضائي المستقر في لبنان وفرنسا ، والذي نذكر منه التالي :
[ إذا أقيمت دعوى إبطال عقد لسبب ما ، ثم أقيمت دعوى أخرى لسبب آخر ، فإن الدعوى الأولى لا تقطع مرور الزمن ، لأن انقطاع مرور الزمن ، لا يمتد من دعوى إلى أخرى ، ولا من شخص إلى أخر ، ولا يستفيد منه إلا الذي يتذرع به ].
أستئناف شمال لبنان. رقم ( ٦١ ) في ٣ / ٢ / ١٩٦٠ م . ش . ج. جزء ( ٢٦ ) صفحة ( ٥٨ ).
وأكثر منه صراحة الاجتهاد التالي :
[ إن المطالبة لا يكون لها أثر لجهة قطع مرور الزمن مالم تُبلغ إلى المدين ].
استئناف جبل لبنان رقم ( ٣٣٦ ). في ٧ / ٦ / ١٩٥٥ م . ش . ج جزء ( ٢٦ ) صفحة ( ٥٤ ).
ومثله الاجتهاد التالي :
[ إن الدعوى الجزائية ضد مسبب الضرر ، لا تقطع مرور الزمن ، تجاه شركة الضمان ، التي ظلت غريبة عنها ، لأنه لا يمكن أن يُقطغ مرور الزمن ، تجاه شخص لا يعلم بالإجراءات المُتخذة لقطعه ، والموجهة أساساً ضد المتضرر الأساسي في دعوى جزائية ، كان مسبب الضرر فيها مدعى عليه ].
استئناف بيروت رقم ( ١٢٠٨ ). في ٣٠ / ٦ / ١٩٦٠ ن . ق . ل ١٩٦٠ صفحة ( ٥٧٥ ).
ومثله وبهذا المعنى نقض فرنسا. تاريخ ٥ / ٥ / ١٨٧٨. دالوز دوري ١٨٨٠ – ١ – ١٤٥. __________________________________ .
الاجتهاد منقول عن مؤلف جورج أنطاكي. [ التقادم المسقط ]. الصفحات ( ١٦٦ – ١٧٢ ). ______________________________________ .
الأملاك العامة تشمل الكثير من الأملاك , فهي تبدأ بالشواطئ البحرية والغدران والبحيرات والأنهار والينابيع والمياه الجوفية وأقنية الملاحة والري وشبكات الكهرباء والهاتف وإنشاءات التحصين والمراكز الحربية والعسكرية , لتنتهي بالشوارع والطرقات والممرات وخطوط المواصلات والسكك الحديدية وسواه. وفي هذا الخصوص نصت الفقرة الأولى من المادة ( 90 ) من القانون المدني على أنه تعتبر أموالاَ عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة ، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم , في حين نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه لا يجوز التصرف في هذه الأموال كما منعت الحجر عليها , وهي لم تجز تملك هذه الأموال بالتقادم. وتابعت المادة ( 91 ) من القانون المدني فنصت على أنه تفقد الأموال العامة صفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة ، وينتهي التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم ، أو بالفعل ، أو بانتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال لمنفعة عامة. وهذه الأموال منظمة بموجب القرار رقم ( 144 ) لعام 1925 المتضمن نظام الأملاك العامة , المعدل بالقانون رقم ( 88 ) تاريخ 25 / 6 / 1958 الذي كان قد بحث في الأملاك العامة بشكل مفصل , حيث أكد وفي مادته الأولى على أن الأموال العامة تشمل الأملاك العمومية , وهي جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال المصلحة العمومية , وهذه الأموال وبسبب ما أعدت له هي مما لا يجوز بيعه , كما لا يجوز اكتساب ملكيتها بمرور الزمن , وهي مما لا يخضع لعمليات التحديد والتحرير إلا بموجب قرار خاص يصدر عن رئيس الدولة يحدد المنطقة والأملاك العمومية التي ستخضع لمثل هذه العمليات. وقد قسمت المادة الرابعة من هذا القرار الأملاك العامة إلى قسمين , بالاستناد إلى معيار المنفعة المخصصة لها هذه الأملاك , فالقسم الأول هو الأملاك العامة الوطنية العمومية ويشمل الأملاك العامة المخصصة للمنفعة العامة الوطنية العمومية , أما القسم الثاني فهي الأملاك العامة المخصصة للمنفعة البلدية. واهم جاء في هذا القرار هو نص المادة ( 14 ) منه , فهذا النص كان قد بحث وتحت عنوان إشغال الأملاك العامة المؤقت , ولأجل ذلك هو أجاز لكل من الدولة والبلديات وكلاً فيما يخصه أن يرخص بصفة مؤقتة قابلة للإلغاء أو مقابل رسم ما , بإشغال الأملاك العامة إشغالاً شخصياً مانعاً , لا سيما إذا كانت المسألة تتعلق بمشروع معين. وهذا الإشغال يسمى امتيازاً إذا كان يتعلق بمصلحة عمومية , أو يكون إجازة إذا لم يكن يتعلق بمصلحة عمومية , فالإجازة لا تتعلق بمصلحة عمومية , ونص هذه المادة وفي كلا الحالتين اشترط لمنح الامتياز أو الإجازة المحافظة على حقوق الآخرين. والمادة ( 15 ) من القرار اشترطت أن تعطى الامتيازات وفق الأحكام المنصوص عليها في القرار رقم ( 2511 ) تاريخ 20 / 3 / 1924. وعادة تمنح الإجازة الخاصة بالأملاك العمومية الخاصة بالدولة بقرار من رئيس الدولة , أما الإجازات الخاصة بالأملاك العامة الخاصة بالبلديات , فتعطى وفقاً للقوانين والشرائع الخاصة بالبلديات , وهذه الإجازة تمنح لمدة سنة واحدة ويمكن تجديدها بطريقة القبول الضمني , بحيث يحدد في قرار منحها الرسوم الواجب دفعها لقاء , وتحسب هذه الرسوم في ضوء المساحة والموقع , ويمكن بصورة استثنائية تخفيضها كثيراً , فيما إذا كانت تتعلق بمنفعة عمومية , وهذه الرسوم يجب دفعها سلفاً بحيث لا يحق لصاحب الإجازة أن يتنازل عنها قبل انتهاء السنة المبدئية. ووفق المادة ( 18 ) من القرار يمكن إلغاء إجازات الإشغال المؤقت للأملاك العمومية , بدون تعويض , عند أول طلب من الإدارة , على أن يحق لصاحب الإجازة أن يدعي بإعادة كل أو بعض الرسوم التي دفعها , ويجري سحب الإجازة بقرار من رئيس الدولة.
من المعلوم أنه في حال كان لأحدهم حقاً عينياً أو ديناً بذمة آخر ، قانون أصول المحاكمات المدنية , ولكي يضمن لهذا الدائن تحصيل دينه , هو أجاز له أن يمنع مدينه من تهريب أمواله , لذلك هو وبموجب المادة ( 314 ) وما بعد كان قد أجاز له أن يطلب إلقاء الحجز على أموال هذا المدين المنقولة وغير المنقولة. والقانون من باب التسهيل على هذا المدين , هو بموجب المادة ( 317 ) منه أجاز له التقدم بهذا الطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة , كطلب مستقل بمعزل عن دعوى الأساس أو الطلبات في أصل الحق , كما أجاز له بموجب المادة ( 318 ) منه أن يتقدم به كطلب تبعاً لطلباته في الأساس , فعندها ينظر في هذا الطلب قاضي الموضوع كقاضي أمور مستعجلة , وفي الحالتين مثل هذا الطلب ووفق المادة ( 320 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية يصدر عن القاضي في غرفة المذاكرة دون أي تبليغ للمدعى عليه المحجوز عليه , سواء أكان قاضياً للأمور المستعجلة أم قاضياً للموضوع. وبمقابل ذلك كلنا يعلم بأن الفقرة الأولى من المادة ( 323 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية أجازت للمحجوز عليه أن يطعن بقرار الحجز الاحتياطي , عن طريق دعوى مستقلة , يتقدم بها خلال ثمانية أيام تلي تاريخ تبلغه صورة عن قرار الحجز , إلى المحكمة التي قررت إلقاء الحجز , سواء أكانت محكمة الموضوع أم قاضي الأمور المستعجلة. ولكون القانون اوجب أن يصدر قرار الحجز في غرفة المذاكرة , ودون تبليغ للمدين المدعى عليه , سواء أكان صادراً عن قاضي الأمور المستعجلة ً أم عن قاضي الموضوع , لذلك نجد أن نفس القانون , ولهذا السبب كان قد أجاز للمحجوز عليه أن يطعن بهذا القرار. وعليه قد تكون هذه الإجازة هي من مخالفات القانون العثماني , فكما هو معلوم في ظل هذا القانون كان من الجائز صدور الأحكام بالصورة الغيابية , لذلك كان من المقبول الاعتراض على الأحكام الصادرة على هذه الصورة , وما يدلل على هذا الأمر نص المادة ( 39 ) من قانون البينات , فهذا النص لا زال فيه أثر مما يدلل على مثل هذا الحق , بالرغم من أنه لم يعد له أي أثر في مواد ونصوص قانون أصول المحاكمات المدنية. ومن مراجعة أولية سريعة لنص الفقرة الأولى من المادة ( 323 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية , نجد أن هذا النص عبر عن هذه الإجازة وعن هذا الحق أولاً بكلمة ( طعن ) ومن ثم عاد وأكد بأن ممارسة هذا الحق في الطعن , إنما يكون عن طريق دعوى مستقلة , يتقدم بها المحجوز عليه خلال ثمانية أيام تلي تاريخ تبلغه صورة عن قرار الحجز , إلى المحكمة التي قررت إلقاء الحجز , سواء أكانت محكمة الموضوع أم قاضي الأمور المستعجلة.
ورد في الاجتهاد القضائي عن الهيئة العامة لمحكمة النقض:
للأحكام القضائية لها حجيتها القانونية ما لم يتقرر قضائيا انعدامها أو بطلانها على نحو إجرائي و قانوني سليم بدعوى مستقلة.
– قانون أصول المحاكمات الجزائية الواجب التطبيق على دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي المنظورة أمام القضاء الجزائي تبعا لها هو قانون مستقل و ليس في نصوصه ما يجيز إقامة دعوى الانعدام أو البطلان وذلك إعمالا لمبدأ استقرار التعامل الجزائي في الأحكام و القرارات الجزائية و عدم جواز تطبيق الأصول المدنية في معرض رؤية الدعوى الجزائية إلا في حالة إحالة قانون الأصول الجزائية إليه كما هو الحال في المادة 176 أصول جزائية.
– مواد قانون أصول المحاكمات المدنية و إن كانت تنص على أنه يمتنع على القاضي النظر في الدعوى من تاريخ الحكم بقبول المخاصمة شكلا إلا إذا ردت المخاصمة موضوعا إلا أن لهذا النص مقاصده و غاياته المنصوص عنها بالمادة 486 أصول مدنية.
– إبطال الحكم لصدوره عن هيئة قضائية مشكلة على وجه غير صحيح بسبب عدم مراعاة مبدأ فصل الوظائف القضائية من قبل أحد أعضائها يرتب أثرا قانونيا تجاه هذا العضو فقط و لا يمنع باقي الأعضاء من حق النظر فيها بحسبان أن الإبطال لم يكن لأمر من الأمور المنصوص عنها في المادة 486 أصول. قرار/ 630 /- أساس/ 88 /لعام 2003 منشور في مجموعة اجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض 2001 – 2004 – الألوسي • تصنيفات عبد القادر الألوسي-قاعدة /44/
إذا كانت المسؤولية التأديبية تقترب من المسؤولية الجنائية في بعض الجوانب، وتختلف في بعضها، وأن الإفلات من العقاب الجنائي لا يؤدي حتما إلى الإفلات من العقوبة التأديبية، كما أن أثر الحكم الجنائي لا يحول دون مساءلة الموظف أو العامل تأديبيا، فإن كلا من الفقه والقضاء التأدیبي قد استقرا على استقلال مبدأ المسؤولية الجنائية عن التأديبية، وأن تحريك أي من المسؤوليتين لا يمنع في الأصل تحريك المسؤولية الأخرى، غير أن المخالفة التأديبية لا تقوم إلا إذا توافرت أركانها، والمحكمة لما تبين لها أن الإدارة استندت في متابعتها التأديبية للمطلوب في النقض إلى نفس الأسباب التي سبق للقضاء أن أعلن برائته منها، واعتبرت قرارها مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة، فضلا أنه لم يتبين من واقع الملف أن الموظف قام بعمل يخرج عن مقتضی الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بما يبرر جزاءه تأديبيا، تكون قد بنت قضاءها على أساس، وعللت قرارها تعليلا كافيا.