لا يجوز للقاضي المدني إعادة النظر في المسائل التي بنت المحكمة الجزائية حكمها عليها وفصلت فيها إذ يتوجب على القاضي المدني بحث الحقوق التي ينظر بها مع مراعاة ما جاء بالحكم الجزائي (تمييز حقوق 21/2018 و2255/2018) كون ذلك مرتبطاً بالنظام العام ويجب على المحكمة المدنية العمل بهذه القاعدة من تلقاء نفسها (تمييز حقوق 2843/2021(.
ولما كانت المحكمة في الدعوى الجزائية رقم (3053/2021) توصلت إلى إدانة المدعى عليه بهذا الجرم ؛ فإن مقتضى ذلك يعني أن الحكم الجزائي الصادر في هذه الدعوى بما توصل إليه يعتبر حجة قاطعة على الدعوى الحقوقية موضوع هذه الدعوى كون بحث المحكمة الجزائية لتلك الوقائع كان ضرورياً للبت في الدعوى المنظورة أمامها مما لا يجوز معه معاودة بحث تلك الوقائع أو أركان الجرمية وعناصرها وفيما اذا كانت جريمه قصدية أم لا وفيما اذا كانت تشكل جنحه أم جناية من خلال الدعوى الماثلة .
وهذا هو مؤدى العمل بنص المادة/16/4 من نظام التأمين الالزامي وما جاء بقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز الموقرة رقم 1228/2022 المتفرع عن الدعوى التمييزية رقم 453/2021 مع ملاحظة بأن الدعوى التمييزية سابقة الذكر لم يكن قد صدر بها حكم جزائي يقضي بادانة المدعى عليه فيها بجرم قطع الاشارة الضوئية حمراء وفق ما يتضح جلياً من خلال الصفحات 15 و16 من القرار المشار اليه والذي جاء فيه حرفياً ما يلي :-وحيث إنه من المستقر عليه أن ملاحقة الجرائم وثبوت الفعل الجرمي من اختصاص القضاء الجزائي عند رؤيته لدعوى الحق العام وليس من اختصاص القضاء المدني، وحيث إن الجهة المدعية (المميزة) لم تقدم ما يثبت صدور حكم جزائي قطعي من جهة القضاء الجزائي يقضي بمسؤولية المدعى عليه (السائق) عن ارتكاب جنحة قطع الإشارة الضوئية حمراء قصداً وأن القضاء المدني لا يملك الاختصاص القانوني لإثبات الجرم ونسبته إلى فاعله فيكون الشرط الثالث غير متوفر في هذه الدعوى والتي تختلف في وقائعها وبيناتها من هذه الناحية عن القرار التمييزي رقم (3506/2018) الصادر عن الهيئة العامة كون الدي، وهو ما لم يتوفر في دعوانا هذه … ) .
استقر الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز على أنه يجوز إثبات عكس ما جاء في البيانات وأوراق الضبط المحررة في مخالفات السير وفقًا للمادة (٤٤/1) من قانون السير كما أنه يجوز سماع شهادة منظم مخطط الحادث وإجراء الخبرة الفنية للتثبت فيما إذا كان الحادث صحيحًا من الناحية الفنية أم لا وصولًا إلى وجه الحق في الدعوى ( تمييز حقوق هيئة عامة رقم ٥٦٧٥ /2020 .
فإذا ثبت وجود خطأ أو نقص في معلومات مخطط الحادث المروري عند تنظيم مخطط الحادث من قبل المحقق المروي فإن المادة السادسة من تعليمات التحقيق الفني في الحوادث المرورية أوضحت الإجراءات المتوجب اتخاذها كما أن المادة الثانية من التعليمات ذاتها قد بينت الإجراءات التي يقوم باتخاذها المحقق المروري إذا تشكلت لديه أثناء الكشف على الحادث قناعة بأنه مفتعل أو مقصود فعليه إبلاغ شعبة التحقيق المروري بذلك .
وحيث لم تأخذ محكمة الاستئناف ذلك بعين الاعتبار ولم تستمع لشهادة منظم مخطط الحادث والضابط الذي قام بعملية التعديل على المخطط حول صحة هذه التعديلات وسبب إجرائها وما هو موضوع التعديل الذي تم وتأثيره على النتيجه التي توصل إليها منظم المخطط في تقريره الذي أعده للمرة الأولى فيكون ما توصلت له أمام ذلك سابقًا لأوانه لورود الطعن عليه .
فقد كان على المحكمة استعمال صلاحياتها التي منحها القانون بإحضار صورة طبق الأصل عن تقرير لجنة التحقيق المروري التي تم بموجبها تعديل مخطط الحادث والتأكد فيما إذا تمت مراعاة أحكام المادتين السادسة والثامنة من تعليمات التحقيق الفني في الحوادث المرورية وبعدها وفي ضوء ما تتوصل إليه من نتيجة وتحقيقاً للعدالة إجراء خبرة مرورية للتثبت فيما إذا كان الحادث موضوع الدعوى صحيحاً من الناحية الفنية أم مفتعلًا في ضوء البينات المقدمة من طرفي الخصومة وإعادة وزن البينة وزنًا سليمًا .