فإن التمييز يدور حول تخطئة محكمة الجنايات الكبرى بعدم الأخذ بالأسباب المخففة لإسقاط الحق الشخصي وبالتناوب عدم وقف التنفيذ .
وفي ذلك نجد أن استعمال الأسباب المخففة التقديرية ووقفتنفيذالعقوبة هي من صلاحيات محكمة الموضوع .
وحيث إن إسقاط الحق الشخصي جاء أثناء سير الدعوى وعند الاستماع للمشتكية وحيث لم يطلب المتهم ووكيله وقفتنفيذالعقوبة لدى محكمة الجنايات الكبرى فإن محكمتنا لا تتدخل في صلاحيات محكمة الموضوع بعدم الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية ولا تتدخل بعدم وقفتنفيذالعقوبة كون ذلك من ضمن صلاحيات محكمة الموضوع ومحكمتنا في هذه القضية محكمة قانون (مع التنويه أن محكمة الجنايات الكبرى لم تحكم بالغرامة ذلك أن نص المادة (415) من قانون العقوبات أوجب الغرامة بالإضافة إلى عقوبة الحبس إلا أنه وكونه لا يضار الطاعن من طعنه فإنه اقتضى التنويه فقط) .
وعليه فإن سبب التمييز لا يرد على القرار الطعين مما يتعين معه رد التمييز لعدم ورود هذا السبب على القرار الطعين.
قرار صادر عن محكمة التمييز / جزاء رقم (2023/1270) .
وحيث أن المادة 93 من قانون العقوبات نصت على أنه (لاعقاب على من يكون فاقداً الشعور أو الإختيار في عمله وقت إرتكاب الفعل لغيبوبة ناشئة عن الكحول أو عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها من دون رضاه أو على غير علم منه بها).
وحيث يتبين وقائع الدعوى والبينات المقدمة فيما أن الطاعن المشروبات الروحية بإختياره ولم تقدم البينة على أنه أجبر على تعاطي مادة مسكرة أو مخدرة مما ينبني عليه أن تناول الطاعن للمشروبات الروحية بإختياره ليس مانعاً من موانع العقاب وفقاً لمقتضى المادة 93 من قانون العقوبات وبالتالي فإنه لا مجال لتطبيق أحكام هذه المادة في الحالة المعروضة وعليه يكون ما توصل إليه القرار المطعون موافقاً للقانون.
وحيث ان المادة 425 من قانون العقوبات نصت على انه يعفى من العقاب مرتكبوا الجرائم المنصوص عليها في الفصول الثلاثة السابقة اذا وقعت اضراراً بالمجني عليه بين الأصول والفروع او الزوجين غير المفترقين قانوناً او بين الأربة والربيبات من جهة وبين الاب والام من جهة ثانية وحيث ان المشتكى عليه أثار هذا الدفع القانوني ضمن اسباب استئنافه لدى محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية التي لم تتطرق سلباً او ايجاباً بقرارها لهذه المسألة ومدى انطباق هذا النص بحالة المستدعي الذي تم الحكم عليه بالغرامة بواقع 5% من قيمة الشيك لوقوع المصالحة واسقاط الحق الشخصي عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 421 من قانون العقوبات مما يعتبر ذلك مخالفة للقانون ويتعين معه نقض القرار الاستئنافي.
وفي ذلك نجد أن مبدأوقفتنفيذالعقوبة قد وردت احكامه في المادة (54 مكررة) من قانون العقوبات وحددت هذه المادة الشروط الواجب توافرها للحكم بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها وهي أن لا تتجاوز مدة العقوبة السجن أو الحبس عن سنة واحدة وان يكون في ماضي المحكوم وأخلاقه وسنه وظروف الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون ويجب أن يكون القرار مسبباً وحيث نجد أن طبيعة الجريمة المرتكبة وهي السرقة وما لها من اثر في الأخلاق لا تسمح بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها المستأنف ضدهما وهما غير جديران بوقف تنفيذ العقوبة بحقهما ، فإن ما توصلت إليه محكمة الدرجة الأولى وما ساقته من تبرير بخصوص وقف تنفيذ العقوبة غير مقبول ولا ينسجم مع نص المادة (54 مكررة) مدار البحث الأمر الذي يجعل أسباب الاستئناف واردة على قرارها ويتعين فسخه بحدود وقف التنفيذ فقط.
قرار صادر عن محكمة إستئناف عمان / جزاء رقم (2015/37011).
ومحكمتنا تجد ان المشرع أخذ بالنواحي الانسانية باحكامه الجزائية لاسباب كثيرة منها ان المشرع يبغي تحقيق اهداف وغايات كثيرة لا مجال هنا لتعدادها ومنها على سبيل المثال اعطاء فرصة للجاني باصلاح نفسه واعادة ادماجه بالمجتمع ولذلك أوجد المشرع احكام كثيرة تتعلق مرة بالاعفاء من العقوبة وتارة اخرى اسبابا وأعذار قانونية تتعلق بتخفيض العقوبة وجعل الاخيرة ملزمة للمحكمة بتخفيض العقوبة، كما اقر مبدأوقفتنفيذالعقوبة بكل الاثار المترتبة عليها اذا توافرت الشروط الواردة بحكم المادة (54) مكرر من قانون العقوبات بالاضافة به موقف المشرع الجزائي في التعديل الاخير لقانون العقوبات الاخذ بنظام العقوبات البديلة في بعض الجرائم لمرحلة اولى لتطبيق فكره الاصلاح الجنائي وهذا هو جزء من منظومة اصلاحية واسعة للقانون الجنائي ودوره بالاصلاح .
ومن هذا الجانب الانساني للعقوبة التي يبغيها المشرع الجزائي هو مواكبة تطور السياسة الجنائية وملخصها التركيز بدلا من العقوبات الحبسية لغايات حجز الحرية فقط لتتجاوزها الى محاولة ادماج المحكوم عليه بالمجتمع واعادته الى جادة الصواب لاسباب كثيرة.
الاسباب المخففة التقديرية وهي حالة نص عليها التشريع الجزائي الاردني الا انه لم يذكر ما هي الحالات التي تدخل تحت معنى الاسباب المخففة التقديرية وبالتالي هي حالات ترك المشرع تحديدها للقاضي الجزائي ليحدد فيما اذا كانت واقعة محددة تشكل سبب مخفف تقديري يستعملها القاضي لتخفيض العقوبة ام لا.
بمعنى ان واقعة ما يمكن ان تشكل سببا مخففا تقديريا لشخص او وفي واقعة معينة ولا تشكل بنفس الوقت سببا مخففا تقديريا لواقعة او لشخص اخر.
بمعنى انها خيارا واجتهادا لمحكمة الموضوع الجزائية تقدر كل حالة على حده والسبب المخفف التقديري اما ان يكون متعلقا بالشخص نفسة او ان يكون متعلقا بالواقعة وظروف ارتكابها .
ما نريد ان تتوصل اليه محكمتنا ان الاسباب المخففة التقديرية لم ترد بالقانون على سبيل الحصر ولا على سبيل المثال بل هي وقائع يستنبطها القاضي لكل واقعة على حده.
وهي اذن استنباط قضائي وبالتالي فما استقر عليه القضاء استقرارا ثابتا فيه صفة الديمومة يمكن اعتباره حالة من حالات الاسباب المخففة التقديرية اما اعتبار القضاء بقرار او قرارين ودون الاستقرار الثابت عليها بالاحكام القضائية لا يمكن الركون الى ثلة من هذه الاحكام باعتبار اي واقعة او حالة شخصية سبب مخفف تقديري او عدم اعتباره سبب مخفف تقديري لان الاجتهاد القضائي للمحكمة الاعلة يكون مؤنسا لدرجة الالتزام في تفسير القانون وتطبيقه وليس في استنباط الوقائع المادية واعتبارها القانوني.
وعودة على واقعة الدعوى وبالتأسيس على ما اسلفناه فان محكمة بداية الجزاء المشكلة كمحكمة جنايات صغرى والتي اعتبرت الاعتراف الذي أدلى به المستأنف ضده يشكل سببا مخففا تقديريا هو ايضا مكان تقدير ونظر من محكمتنا وقد يعني الاعتراف الاختياري امام المحكمة الجزائية دلالة على التوبة والندم وعدم العودة الى ارتكاب وهذا بحد ذاته غاية المشرع الذي يتبنى فكرة ادماج المحكوم عليه بالمجتمع وابعاده عن الجريمة بعد شعوره بالندم وقد يكون الاعتراف من شخص آخر مكرر للجنايات استثهار بالعقوبة وطريق لتخفيفها فقط دون التفكير الجدي بالعودة عن الجريمة.
ومحكمتنا وحيث انها تميل بقضاءها الى فكرة الاصلاح الجنائي واعطاء الفرصة للجاني في ان يراجع تصرفاته من خلال عدم التشدد في تطبيق العقوبة، وان محكمتنا لا تشترط وجود المصالحة للاخذ بالاسباب المخففة التقديرية في هذه القضية للاسباب التي اوضحناها اعلاه.
لذلك بناءا على ما تقدم فان محكمتنا تعتبر ولباقي ظروف الواقعة الجرمية والشخصية للمحكوم عليه وكونه لم يثبت انه مكرر بالمعنى التكرار الجرمي فانها ترى ان الاعتراف الذي ادلى به المحكوم عليه يعتبر سببا مخففا تقديريا.
قرار صادر عن محكمة إستئناف إربد / جزاء رقم (2018/10341).