الوقف قديم قدم الإسلام , وشرعياَ منشأه الحديث المنقول عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه , بخصوص أرضه الخيبرية المعروفة باسم ( أرض ثمغ ) وحكايتها أن سيدنا عمر رضي الله عنه بعد معركة خيبر أصاب أرضاَ فجاء إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضاَ بخيبر لم أصب مالاَ قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيه , فقال صل الله عليه وسلم له إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها , أي تصدقت بثمرتها , كما تدل عليه الرواية الأخرى للبخاري أن رسول الله قال تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، ولكن ينفق ثمره , فتصدق بها عمر. ومن الناحية اللغوية والفقهية , التصدق هو التعبير الذي كان يدل في تلك الأيام , على الوقف المعروف في هذه الأيام. والوقف مستحب شرعاَ مندوب إليه , وقد اختلف العلماء حول لزوم الوقف , أي حول خروج مال الوقف من ذمة مالكه , ولكن أغلب الآراء أجمعت على خروج المال عن ذمة صاحبه , بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث لكونهم عرفوا الوقف بأنه حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بالمنفعة على جهة من جهات البر ابتداء أو انتهاء. كما اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية على جواز رجوع الواقف عن وقفه , فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه ، حتى استقر أغلب الرأي على عدم جواز الرجوع عنه. وللوقف أنواع عديدة منه وقف على جهات البر والخير ووقف ذري ( أهلي ) , ونوع ثالث مختلط بين الخيري والذري. ولكون الوقف من أعمال الصدقات والتقرب إلى الله , فقد كان الوقف سائداَ منتشراَ كثير اللجوء إليه من قبل الناس , منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى الآن , لا بل إن الوقف وفي مرحلة متقدمة وخصوصاَ أيام الدولة العثمانية , بات من المعاملات المعتادة بين علية القوم وعامة الناس , حيث ظهر ما بات يُعرف بوقف السلاطين والأمراء ووقف الحرمين الشريفين وسواه من أوقاف مختلفة ومتعددة. والوقف بداية كان محكوماَ بالآراء الفقهية السائدة المتعارف عليها , ومن ثم وخصوصاَ في ظل الدولة العثمانية بات محكوماَ بالرأي الراجح من المذهب الحنفي , حتى بدأت عملية تنظيم الدول فبات الوقف منظماَ بموجب قوانين وضعية , نظمت شؤون الوقف بما هو سائد من أحكام الفقه. ومن ثم وبسبب كثرة الممارسات السلبية لمتولي الأوقاف ومستحقيها ، منعت القوانين الوضعية الوقف الذري وأصدرت القوانين الخاصة التي قضت بتصفية هذا الوقف , وبالتالي الآن لم يعد من المقبول وجود وقف ذري , فالوقف حالياَ كله هو وقف على جهات البر والخير.
في زمن الدولة العثمانية كان للوقف عهد زاهر , لأن السلاطين وأصحاب الخير , كانوا يتبارون في إنشاء الجوامع والمساجد والمدارس والمكتبات وغيرها من جهات الخير , كما كانوا هؤلاء يوقفون على هذه المرافق العقارات ويخصصون لها الأراضي الأميرية أو أعشارها بإذن السلطان , فيجبي المتولون أعشارها وينفقونها على الجهات الموقوف عليها , فانتشرت بسبب ذلك الأوقاف الذرية والخيرية كثيراَ , مما أدعى لاتساع رقعتها , لدرجة زادت فيها عن الحاجة , وكانت الأسباب الداعية لذلك عديدة سياسية أو اجتماعية او اقتصادية , من قبيل كسب ولاء الناس أو بقصد التهرب من مصادرة الدولة لهذه الأموال , ولكن كان أهم سبب للوقف هو ما تعلق بالصدقات وأعمال البر والخير. هذا وقد صنف الفقهاء الأوقاف في تصنيفات عديدة , ولكن التصنيف الأبرز للأوقاف هو تصنيفها في ثلاثة أنواع تختلف بحسب طريقة توزيع غلتها أو طريقة إدارة أموالها. فمن حيث الأموال الموقوفة تصنف الأوقاف إلى أوقاف صحيحة وأوقاف غير صحيحة وأوقاف عشرية وهذه الأخيرة يُقال لها التخصيصات. فالأوقاف الصحيحة تشمل المنقولات والعقارات التي يوقفها مالكوها وقفاَ صحيحاَ وفق أحكام الشريعة الإسلامية , وتكون رقبة هذه الأموال مالكاَ لجهة الوقف , وتخضع في إدارتها وفي توزيع غلتها لشروط الواقفين وينحصر نطاق هذه الأوقاف بالعقارات الملك وهي العقارات الكائنة ضمن حدود الأماكن المبنية. أما الأوقاف غير الصحيحة فهي الأوقاف التي يكون محلها الأراضي الأميرية , التي أوقفها السلاطين أو التي أوقفها غيرهم بإذن منهم , على جهة من جهات الخير أو على الذرية , أو التي تكون مشتركة الجهتين معاَ , فمثل هذه الأوقاف لا يجري فيها تمليك للعين الموقوفة , لكون رقبة الأرض الأميرية الموقوفة تكون للدولة , ولهذا السبب ينحصر الوقف على منافع هذه العقارات , لذلك أطلق على هذه الأوقاف غير الصحيحة لتميزها عن الوقف الذي يكون محله العقارات الملك. أما الأوقاف العشرية أو ما يُعرف بالتخصيصات , وفيها لا يكون الوقف على عقارات ولا على منقولات , وإنما يكون على حقوق مالية تخلت عنها الدولة للجهة التي أوقف عليها سواء اكانت جهة خير أم جهة ذرية أم جهة مشتركة. وهناك تصنيف أخر للأوقاف , وهو تصنيف الأوقاف وفق طريقة توزيع غلتها , وهي أن تكون الأوقاف خيرية أو ذرية أو مشتركة. فالوقف الخيري ما يكون مخصصاَ ابتداء لأعمال الخير , دون أن يكون للواقف أو ذريته حق في هذه غلة هذا الوقف , اما الوقف الذري هو ما يكون موقوفاَ على الواقف وعلى ذريته من بعده , بشرط أن تؤول هذه الغلة إلى جهة من جهات الخير عند انقراض الذرية. أم الوقف المشترك فهو الوقف الذي توزع غلته على جهات الخير والذرية معاَ وفق حصص او نسب معينة ووفق شروط الواقفين. أم التصنيف الثالث فهو تصنيف الأوقاف حسب طريقة إدارتها , حيث تقسم الأوقاف إلى أوقاف ملحقة وأوقاف مضبوطة , فالملحق من الوقف هو الوقف الذي تكون إدارته بيد المتولين , أما الأوقاف المضبوطة فهي الأوقاف التي تكون إدارتها بيد جهة الوقف. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه وفي عام 1958 وبسبب ما ظهر من تسيب وفلتان في إدارة الوقف واستغلال غلته , صدر القرار بقانون رقم ( 104 ) الذي قضى بتصفية الأوقاف الذرية وفق شروط وطريقة حددها هذا القانون , بحيث بات في الوقت الحالي الوقف المسموح به هو الوقف الخيري فقط.