لم تعرف النظم القانونية العربية النظام المسمى بنظام ملكية الطبقات , إلا في العصر الحديث , فالتشريعات العربية القديمة كانت تضم نظاماَ قريباَ إلى هذا النظام , هو نظام مالك السفل ومالك العلو , وهو نظام قانوني قديم ينظم حقوق وواجبات كل من مالك السفل ومالك العلو , وفي العموم مصدر الأحكام الخاصة بهذا النظام مستمدة من الشرعية الإسلامية. ولكن وعندما أخذت الأبنية السكنية الكبيرة المؤلفة من عدة طبقات بالانتشار , باتت الحاجة ماسة لنظام قانون ينظم حقوق وواجبات ملاك الشقق والطبقات في هذه الأبنية , فظهر ما بات يُعرف بنظام ملكية الطبقات. هذا النظام أول من تناوله بالبحث التشريع المدني المصري , وهو نقل أحكام هذا النظام عن القانون المدني الفرنسي الصادر بتاريخ 28 / 6 / 1938. وملكية الطبقات نظام قانوني يشترك في الكثير من الأحكام مع نظام مالك السفل ومالك العلو , إلا أنه بالرغم من ذلك فيه بعض الاختلاف , فهو نظام قانوني قائم بحد ذاته , فيه نوعان من الملكية , ملكية خالصة مفرزة هي ملكية الطبقة أو الشقة وملكية شائعة هي ملكية الأجزاء المشتركة المعدة لانتفاع كل ملاك الشقق أو الطبقات. وبالرغم من وجود هذا الاختلاف الكثير من المهتمين بالشأن القانوني يخلط بين النظامين , لا بل أن التشريع نفسه في الكثير من الأحيان خلط بين الأمرين. وعندما صدر التشريع المدني السوري هو نقل عن التشريع المدني المصري هذا النظام , حيث حافظ على التميز بين نظام مالك السفل ومالك العلو ونظام ملكية الطبقات. ومع بدايات الأزمة الأمنية السورية الحالية وتطور أحداثها , نجد أن الكثير من الأبنية المشادة على شكل طبقات تعرض للتهدم الكلي أو الجزئي , مما حال بين الملاك وبين الانتفاع بما يملكون من دور وشقق , في ظل مثل هذه الظرف ظهرت الحاجة ملحة لدى ملاك الطبقات , لإعادة إشادة ما تهدم من أبنية , ولكن هذه الرغبة وعلى أرض الواقع كانت قد اصطدمت بالكثير من العراقيل , كهجرة وغياب الكثير من الملاك , بسبب الظرف الأمني أو عدم موافقة البعض الموجود منهم على إعادة البناء , ولعل أهم الأسباب الداعية لمثل هذا الموقف , هو عدم توفر المال اللازم لمثل هذه العملية , فما الحل القانوني لمثل هذه المعضلة ؟؟؟؟ القانون المدني السوري في معرض بحثه في الملكية الشائعة عرج فبحث في نظام ملكية الطبقات , وكان ذلك بداية من المادة ( 811 ) وحتى المادة ( 824 ) منه , فهو لأجل ذلك عرّف ملكية الطبقات وبين ما هو مملوك منها على وجه الخصوص , وما هو معتبر من الملكية المشتركة , وضرب أمثلة على ذلك , وبين حقوق كل مالك في ما يملكه على وجه الخصوص , وحقوقه وواجباته تجاه الملاك الآخرين وتجاه الأجزاء المشتركة , حتى وصل إلى المادة ( 814 ) فنص على ألزام صاحب السفل بأن يقوم بالأعمال والترميمات اللازمة لمنع سقوط العلو , ولكن إذا امتنع عن القيام بهذه الترميمات ، جاز للقاضي أن يأمر ببيع السفل , وبالمحصلة هو أجاز , وفي كل حال لقاضي الأمور المستعجلة أن يأمر بإجراء الترميمات المستعجلة. ثم هو وفي المادة ( 815 ) نص على أنه إذا انهدم البناء وجب على صاحب السفل أن يعيد بناء السفل ، فإذا امتنع جاز للقاضي أن يأمر ببيع السفل , إلا إذا طلب صاحب العلو أن يعيد بناء السفل على نفقة صاحبه , وفي الحالة الأخيرة يجوز لصاحب العلو أن يمنع صاحب السفل من السكنى والانتفاع حتى يؤدي ما في ذمته ، ويجوز له أيضاَ أن يحصل على إذن في إيجار السفل أو سكناه استيفاء لحقه. ومن ثم وفي المادة ( 817 ) منه أجاز لملاك الطبقات أن يكونوا فيما بينهم اتحاداَ لإدارة ما يملكون , وهو رخص أن تكون الغاية من هذا الاتحاد العمل في بناء العقارات أو شرائها لتوزيع ملكية أجزائها على الأعضاء في البناء المشترك بينهم , كما أجازت المادة ( 818 ) من القانون المدني أن يكون لهذا الاتحاد نظاماَ معيناَ , يُوضع بموافقة أغلبية الأعضاء , لضمان حسن الانتفاع بالعقار المشترك وحسن إدارته. ولكن وبالمقابل قد يكون هذا الاتحاد بلا نظام , أو أن يكون له نظام خاص , ولكن هذا النظام خالي من النص على طريقة معالجة مشكلة معينة , عندها تكون إدارة الأجزاء المشتركة من حق الاتحاد ، وتكون قراراته في ذلك ملزمة بشرط أن يُدعى إلى الاجتماع بكتاب مضمون جميع ذوي الشأن ، وأن تصدر القرارات من أغلبية الملاك محسوبة على أساس قيمة الانصباء , وذلك وفق ما نصت عليه المادة ( 819 ) من القانون المدني. ومن ثم أورد المشرع نص المادة ( 823 ) من القانون المدني والتي عالجت مشكلة هلاك البناء ، فهنا هذه المادة نصت على إلزام الشركاء أن يلتزموا بتجديد البناء , وذلك وفق ما يقرره الاتحاد بالأغلبية المنصوص عليها في المادة ( 819 ) ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك , فإذا قرر الاتحاد تجديد البناء خصص ما قد يستحق من تعويض بسبب هلاك العقار لأعمال التجديد ، دون إخلال بحقوق أصحاب الديون المسجلة في السجل العقاري. ولكن قد يهلك البناء كلياَ أو جزئياَ , وباعتبار أن تكوين اتحاد ملاك الطبقات هو أمر غير إلزامي , فقد لا يكون هناك مثل هذا الاتحاد , أو أن يكون هذا الاتحاد موجوداَ ، ولكن نظامه لم يبين طريقة معالجة هذه المشكلة , فهنا وبرأيي يجب الرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني , وتحديداَ إلى المواد التي تحدد حقوق وواجبات مالك السفل ومالك العلو , والمنصوص عليها في المادة ( 815 ) من القانون المدني , والتي نصت على التالي :
١ ) اذا انهدم البناء وجب على صاحب السفل أن يعيد بناء السفل ، فإذا امتنع جاز للقاضي أن يأمر ببيع السفل إلا إذا طلب صاحب العلو أن يعيد هو بناء السفل على نفقة صاحبه.
٢ ) وفي الحالة الأخيرة يجوز لصاحب العلو أن يمنع صاحب السفل من السكنى والانتفاع حتى يؤدي ما في ذمته ويجوز له أيضاَ أن يحصل على إذن في إيجار السفل أو سكناه استيفاء لحقه.
وعليه ومن حيث المبدأ صاحب السفل ملزم بإعادة بناء السفل ، لكي يتمكن صاحب العلو من إعادة بناء ما يملك ، ذلك أن صاحب العلو ، ولئن كان يملك السفل ملكية خالصة , إلا أن لمالك العلو حق قرار على صاحب السفل , أما إذا امتنع صاحب العلو عن القيام بهذا الواجب فإن القانون أجاز للقاضي أن يرخص ببيع السفل , إلا إذا عبر صاحب العلو عن رغبته بإعادة بناء السفل على حساب صاحبه , وفي هذه الحالة إذا ما هو حصل على الرخصة وأعاد البناء فيكون من حقه أن يمنع صاحب السفل من السكن والانتفاع بالسفل حتى يدفع له نفقات إعادة بناء السفل , كما يجوز له أن يحصل على إذن من القاضي بإيجار السفل أو سكنه شخصياَ , على سبيل استيفاء حقه فيما أنفقه في سبيل إعادة بناء السفل.