الأصل والمبدأ أن يكون الإنسان , كل إنسان , مسؤولاَ عن تبعات ونتائج الأعمال التي تصدر عنه , وهذا ما يعرف بالمسؤولية الشخصية , والتي عناها القانون المدني بموجب نص المادة ( 164 ) منه والتي نصت على أن كل خطأ سبب ضرراَ للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض. ولكن القانون المدني , ولاعتبارات خاصة , في بعض الأحيان ، قد خرج عن هذا المبدأ , فجعل البعض مسؤولاَ عن أعمال غيره. والمسؤولية عن أعمال الغير ورد الحديث عنها في المواد ( 174 ) وما بعد من القانون المدني , فهذه المواد بحثت في نوعين من المسؤولية عن أعمال الغير , وهما مسؤولية الولي عن أعمال من هم تحت رعايته أو حراسته , ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه. ومصدر مسؤولية الولي عن أعمال من هم تحت رعايته أو حراسته , إما أن يكون القانون وإما أن يكون الاتفاق , وما يدعو لوجود مثل هذه الرقابة ، قد يكون بسبب قصر من يحتاج إليها أو بسبب حالته العقلية , أو بسبب حالته الجسمانية. وفي معرض بحث القانون المدتي في أحكام هذه المسؤولية ، هو أقامها على خطأ مفترض قابل لإثبات العكس , من جانب متولي الرقابة , وأساس هذا الخطأ هو بشكل خاص الإهمال في الإشراف والرعاية أو في العموم إساءة التربية والتأهيل , وبالتالي هو أعفى المضرور من إثبات الخطأ , وفي نفس الوقت الذي هو أعفى المضرور من واجب إثبات الخطأ ، هو أتاح المجال للمتولي للتحلل من هذه المسؤولية , وهذه المسؤولية تترتب على الولي حتى ولو كان من تسبب بالعمل الضار غير مميز. والقانون اعتبر القاصر في حاجة إلى مثل هذه الرقابة , مادام لم يبلغ الخمسة عشرة من عمره ، أو حتى إذا كان قد بلغها , ولكنه لازال يعيش في كنف وتحت رعاية القائم على تربيته , أما إذا كان قد بلغها ولم يعد يعيش في كنف من يرعاه , فيصبح مسؤولاَ عن أعماله. وهذه الرقابة قد تنتقل من الولي إلى معلم المدرسة أو المشرف عليها , كما قد تنتقل إلى معلم الصنعة أو الحرفة التي قد يتم وضع القاصر لديهما لتعلم صنعة أو حرفة , وهذه المسؤولية تبقى على المذكورين مادام القاصر تحت إشرافهم ورعايتهم. والقانون المدني عندما بحث في مسؤولية متولي الرقابة , هو قسمها إلى عدة مراحل مرحلة عدم التميز ومرحلة التميز والمرحلة التي يبلغ فيها القاصر الخمسة عشرة من عمره , وعدم عيشه في كنف أو رعاية وليه , وهو في بحثه هذا , كان قد مميز بين الآثار القانونية التي تترتب على هذه المرحل , فجعل الولي والمعلم والمشرف مسؤولاَ عن الأعمال الضارة التي تقع من جانب القاصر , حتى ولو كان غير مميز , وهو بذلك جعل هذه المسؤولية مسؤولية أصلية , ذلك أن غير المميز من حيث المبدأ هو غير مسؤول عن أعماله الضارة لانعدام التميز لديه أصلاً , وبالتالي هو غير مسرول ، وفق نص الفقرة الأولى من المادة ( 165 ) من القانون المدني , في حين جعل المسؤولية في المراحل الأخرى هي مسؤولية تبعية احتياطية. وبسبب نوع هذه المسؤولية خلال هذه المراحل , فإن القانون لا يجيز للولي الرجوع على مسبب الضرر , غير المميز , بما دفعه من تعويض للمضرور , لكون مسؤولية الولي عن أعمال من هو تحت رقابته ورعايته هي مسؤولية أصلية , في حين أن مسؤوليته عن أعمال المميز هي مسؤولية تبعية , لذلك هو أجاز له الرجوع على مسبب الضرر بما دفعه من تعويض للمضرور , ذلك وفق ما نصت عليه المادة ( 176 ) من القانون المدني. وعليه في حال ارتكب غير المميز خطأ سبب ضرراَ للغير , كان الولي مسؤولاَ أصلياَ عن تعويض الضرر , وما جاز الرجوع عليه بالتعويض , بعد بلوغع سن الرشد ، لا من قبل وليه , في حال دفعه التعويض للمضرور , ولا من قبل المضرور نفسه. أما إذا كان مسبب الضرر مميزاَ , فإنه يكون مسؤولاَ عن أعماله , ومسؤولية وليه عن هذه الأعمال هي مسؤولية تبعية اقتضها ضرورات متعددة , أهمها حاجة هذا المميز للرقابة والرعاية. وعليه إذا تسبب المميز بالضرر للغير , كان مسؤولاَ أصلياَ عن التعويض , لكونه مسؤولاَ عن أعماله الشخصية ، وكان وليه مسؤولاَ تبعياَ عن التعويض للمضرور , وبالتالي يحق له الرجوع عليه بما دفعه عنه من تعويض. وعليه لو ارتكب المميز خطأ سبب ضرراَ للغير , ولم يقم هذا الغير الدعوى على وليه لمطالبته بالتعويض , بل هو انتظر حتى بلوغ مسبب الضرر المميز سن الرشد , وأقام الدعوى عليه , كانت هذه الدعوى مقبولة , لكون هذا المميز في الأصل مسؤول مسؤولية شخصية عن أعماله الشخصية , وهذا يكون بخلاف ، فيما لو كان مسبب الضرر عديم التميز. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . الدكتور عبد الرزاق السنهوري شرح القانون المدني الجديد – الجزء الأول – الصفحات ( 1121 ) وما بعد بتصرف. ____________________________________ .