إن البلدية قد انطلقت في تدبيرها بإخلاء عقار المدعي ، من مقولة تجسد فيها الوهم المؤدي إلى الخطأ ، الذي تراءى لها فيه أنها تستطيع أن تسبغ على العقار موضوع القرار المطعون فيه ، لبوس القيام بخدمة لها صفة النفع العام ، وإن لم يكن يتصف في الأصل منذ إشادته بهذا الوصف القانوني المحض ، بينما الروح المتمثل في القانون رقم ( ١٠٦ ) لعام ١٩٥٨ يوحي بغير هذا ، فهو يفترض في العقار لكي يسوغ إخلاؤه من مستأجره ، أن يكون في الأصل قد أنشئ للقيام بالخدمة العامة ، الأمر الذي لم يتوفر في عقار البلدية ، الذي تمارس عليه نوعاً من الملكية الخاصة ، فمن ثم كان قرارها بتحويل الإيجار إلى استثمار وإخلاء العقار مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ، مؤدياً لنشوء حق الطاعن بالتعويض. ___________________________________ .
سورية – مجلس الدولة – المحكمة الإدارية العليا قرار رقم ( ٣٠١ ) أساس رقم ( ٣٢٩ ) لعام ١٩٧٧ مجموعة مبادئ المحكمة الإدارية العليا للأعوام ( ١٩٦٥ – ١٩٩٠ ) رقم مرجعية حمورابي ( ٢٥٢٠٩ ). _______________________________________
لم يتضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية أصولاَ خاصة , وذلك فيما يخص استرداد مذكرة التوقيف من قبل محاكم الموضوع , وإنما هو وبموجب المادة ( 106 ) منه كان قد بحث في أصول استرداد هذه المذكرة من قبل قاضي التحقيق , لذلك نجد أنه لا مانع من الاستعانة بهذا البحث للوصول إلى حكم قانوني , فيما يخص استرداد مذكرة التوقيف من قبل محاكم الموضوع. ففي معرض تصدي قاضي التحقيق للتحقيق في الجرائم , قد يصدر مذكرة توقيف بحق شخص , على سبيل الاحتياط , حتى لا يهرب أو على الأقل حتى لا يعمد إلى طمس معالم الجريمة , ولكن حين يتوسع في تحقيقاته ويجد أن الجرم لا يستحق هذا التوقيف , أو أن الأدلة ليست بذات شأن أو لأسباب أخرى يراها تستدعي إعادة النظر في هذه المذكرة , فله من تلقاء نفسه , ولكن بموافقة النائب العام , أن يقرر استرداد هذه المذكرة , شريطة أن يتخذ الموقوف موطناَ في مركز القاضي تبلغ فيه الأوراق إليه , في هذه الحال يخلي سبيل الموقوف فوراَ. ويتم هذا عملياَ بإحدى صورتين , الصورة الأولى أن يكتب النائب العام إلى قاضي التحقيق , ويطلب إليه استرداد مذكرة التوقيف , وعندها يوافقه قاضي التحقيق , وفي هذه الحالة يكون الاثنان متفقين , أو يخالفه , وعندها تكون الكلمة لقاضي التحقيق , وللنائب العام أن يطعن , إذا شاء , في قرار الرفض. الصورة الثانية أن يكتب قاضي التحقيق إلى النائب العام يطلب موافقته على استرداد المذكرة , فإن وافق فإن الأمر يكون قد انتهى , وتمت موافقته , ولكن الصعوبة فيما لو رفض النائب العام منح الموافقة على الاسترداد , عندها ليس لقاضي التحقيق أن يسترد مذكرة التوقيف , ولكن يكون من حقه اللجوء إلى طرق إخلاء السبيل الأخرى. ونلاحظ ان هذا الاسترداد حسب صريح المادة ( 106 ) أصول محاكمات جزائية , في حال حصوله , هو قرار غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة , فليس للنيابة العامة أن تستأنف هذا القرار , لأنها وافقت عليه سلفاَ , وليس للموقوف أن يستأنفه , لأنه قرار لا يلحق به أي ضرر , وكذلك ليس للمدعي الشخصي حق استئنافه , لصراحة النص. ____________________________________ .
الصفحتان ( 472 – 473 ) أصول المحاكمات الجزائية – الطبعة الثانية – عبد الوهاب حومد – بتصرف بسيط. ______________________________________ .
يعتقد البعض وعلى خلاف الحقيقة , بأن الشركات لا تكون إلا تجارية , لكن في الحقيقة , الواقع على خلاف ذلك , ذلك أنه الى جانب الشركات التجارية , يوجد الكثير من الشركات المدنية. ومما يدلل على وجود الشركات المدنية أن المادة ( 6 ) من قانون الشركات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 29 ) لعام 2011 عددت الأنواع المختلفة التي قد تتخذها الشركات , فذكرت الشركات التجارية وعددت أنواعها المختلفة , حتى جاءت الفقرة السابعة من هذه المادة , وبصريح العبارة على ذكر الشركات المدنية , حيث أوردت هذه الفقرة تعريفاَ لهذه الشركات , فقالت لأجل ذلك بأن الشركات المدنية هي الشركات التي تؤسس بين شركاء من ذوي الاختصاص والمهن الفكرية أو التي يكون موضوعها مدنياَ , وتخضع لأحكام القانون المدني , وأحكام القوانين الخاصة بها , وعقودها وأنظمتها الداخلية. وأيضاَ مما يدلل على وجود هذا النوع من الشركات هو أن الدكتور ادوار عيد في مؤلفه القيم الشركات التجارية – مبادئ عامة – شركات الأشخاص – الصفحة ( 5 ) – قال إن المادة ( 844 ) من قانون الموجبات والعقود اللبناني عرّفت الشركة بأنها عقد متبادل بمقتضاه يشترك شخصان أو عدة أشخاص في شيء بقصد أن يقتسموا ما ينتج عنه من ربح , وينطبق هذا التعريف على الشركة التجارية والشركة المدنية على السواء. ومما لا شك فيه أن الشركات المدنية , وفق هذا التعريف , تختلف كلياَ عن الشركات التجارية , ذلك أن الأساس الذي يُستند إليه للتفرقة بين الشركات المدنية والشركات التجارية , هو طبيعة العمل الذي تزاوله الشركة , فإذا كان هذا العمل مدنياَ اعتبرت الشركة مدنية , وإذا كان تجارياَ اعتبرت الشركة تجارية , وهو من حيث المبدأ نفس الأساس المعتمد عليه للتفرقة بين التاجر وغير التاجر. وفي الغالب لتحديد طبيعة العمل الذي تقوم به الشركة يجري عادة تدقيق ما إذا كان هذا العمل يدخل في لائحة الأعمال التجارية التي يصفها قانون التجارة بأنها أعمال تجارية بطبيعتها , وهو ما نصت عليه المادتان ( 5 – 6 ) من قانون التجارة السوري وعليه إذا كان العمل الذي تزاوله الشركة تجارياَ , كانت الشركة تجارية , وإلا اعتبرت الشركة مدنية , وأهم الأعمال التي تشكل موضوعاَ للشركات المدنية , هي تلك المتعلقة بالعقارات , وبالمحاصيل الزراعية , وبالأعمال الفنية والأدبية , وغيرها التي تستهدف الربح المادي. وبالتالي يكون من السهل علينا تحديد طبيعة الشركة , إذا كان العمل الذي تزاوله هذه الشركة من طبيعة واحدة معينة , وعادة يكون هذا العمل محدداَ في عقد تأسيس الشركة , ولكن الأمر يدق عندما ينصب نشاط الشركة على أعمال مختلطة , بحيث يكون بعضها تجارياَ والبعض الآخر مدنياَ , فماذا تكون طبيعة الشركة في مثل هذه الحالة ؟؟ مما لا شك فيه أن الشركة تكون تجارية إذا كان الغرض الرئيسي الذي تهدف الشركة إلى تحقيقه هو غرض تجاري , كما تكون الشركة مدنية إذا كان الغرض الرئيسي الذي تهدف إلى تحقيقه مدنياَ , أما إذا كانت أغراض الشركة مختلطة دون تفوق أحدها على الأخرى , فهنا ذهب الرأي السائد إلى اعتبار الشركة تجارية , إذ يكفي في هذه الحال وجود غرض تجاري لها لكي تعتبر تجارية. والعبرة في تحديد طبيعة الشركة , هي للغرض الذي نص عليه عقد تأسيسها , فهي تعتبر تجارية بمجرد النص في العقد على الغرض التجاري , ولو لم تكن الشركة قد مارست نشاطها بعد أو تخلت عن ممارسة هذا النشاط. كما يلاحظ أنه إذا قامت الشركة ذات الغرض المدني بأعمال ذات طبيعة تجارية على وجه مستمر , فتكتسب هذه الشركة الطبيعة التجارية , وتطبق عليها نظرية التاجر الفعلي , بحيث يجوز إعلان إفلاسها كما يجوز إبطالها إذا لم تتقيد بشروط الإشهار القانونية. كما يلاحظ في هذا الخصوص أن القانون لم يحدد الشكل القانوني الذي من الممكن أن تتخذه الشركات المدنية , فيكون من الجائز أن تلبس هذه الشركات أحد الأشكال المعينة في القانون للشركات التجارية , فمن المقبول أن تظهر هذه الشركات على شكل شركة تضامن أو على شكل شركة التوصية البسيطة أو على شكل شركة مساهمة مغفلة أو على شكل شركة محدودة المسؤولية , والسؤال الذي يتبادر للذهن , هل تتحول الشركة المدنية إلى شركة تجارية إذا اتخذت شكل إحدى الشركات التجارية ؟؟ وفي هذا الخصوص ذهب قانون التجارة الفرنسي الصادر بتاريخ 24 / 7 / 1966 إلى أن الشركة تتخذ طابعها التجاري بحسب شكلها أو موضوعها , وإن الشركة ذات الطابع المدني تعتبر تجارية بمجرد اتخاذها أحد أشكال الشركة التجارية , كشركة التضامن أو شركة التوصية البسيطة أو شكل الشركة المساهمة أو شكل الشركة المحدودة المسؤولية. أما قانون التجارة اللبناني فقد تضمن قاعدة مختلفة بعض الاختلاف عن القانون الفرنسي , إذ نص في المادة ( 9 ) فقرة ( 2 ) على أن الشركات التي يكون موضوعها مدنياَ , ولكن اتخذت صفة الشركات المغفلة أو شركات التوصية المساهمة , تخضع لجميع موجبات التجار المعينة في الفصلين الثاني والثالث الآتيين , وهذا يعني مسك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري والخضوع لأحكام الصلح الواقي والإفلاس , وهذا يعني أن الشركة المدنية التي لا تتخذ شكل الشركة المساهمة , تبقى من الشركات المدنية , وهي تخضع للقواعد العامة في القانون المدني لا لقانون الشركات أو لقانون التجارة. والخلاصة تعتبر الشركة ذات الغرض المدني المتخذة شكل الشركة المساهمة , سواء أكانت شركة مغفلة أو شركة توصية مساهمة , خاضعة للأحكام التي تخضع لها هذه الشركة الأخيرة , على أن العمال التي تقوم بها تظل محتفظة بطابعها المدني مع جميع الآثار التي تترتب على ذلك , باستثناء ما يختص منها بالإفلاس وبالصلح الواقي , إذ أن ديون الشركة المذكورة ولو كانت في الأصل ناشئة عن عمليات مدنية , فإنها تفسح المجال للمطالبة بتطبيق أحكام الإفلاس والصلح الواقي على تلك الشركة.
وللتميز بين الشركة التجارية والشركة المدنية أهمية كبيرة , ونحن يمكن أن نجمل ذلك بالنقاط التالية : ______________________________________ .
١ ) يجري تأسيس الشركة التجارية وفقاَ لنوع من الأنواع المحددة في القانون , وهو يخضع لقواعد شكلية وإعلانية معينة , بينما يكون تأسيس الشركة المدنية حراَ غير خاضع لشرط الإعلان , ولا يلتزم مؤسسوها التقيد إلا بالأحكام القانونية العامة ويتم إثبات وجود هذه الشركة طبقاَ للقواعد المقررة في القانون المدني.
٢ ) تخضع الشركات التجارية بوصفها من التجار لجميع الواجبات المفروضة على التجار , كالقيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر التجارية , كما تخضع مثلهم للأحكام المتعلق بالإفلاس وبالصلح الواقي وبقواعد الإثبات وغيرها.
٣ ) من حيث المبدأ لا يوجد تضامن بين الشركاء في الشركات المدنية , بينما تخضع الشركات التجارية لقواعد مختلفة باختلاف انواعها , فتكون المسؤولية تضامنية بين الشركاء في شركة التضامن وبين المفوضين في شركة التوصية , بينما تكون محدودة بالنسبة للشركاء الموصين وللشركاء في الشركة المحدودة المسؤولية , وللمساهمين في شركة المساهمة.
وأخيراَ نذكر بأن قانون الشركات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 29 ) لعام 2011 نص وبموجب المادة ( 55 ) منه على أن الشركة المحدودة المسؤولية تعتبر شركة تجارية وتخضع لأحكام قانون التجارة , أياَ كان موضوعها , ونفس الأمر نصت عليه المادة ( 87 ) منه بخصوص الشركة المساهمة المغفلة , وهذا نفس الحكم الذي جاءت به الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون الشركات السوري , إذ نصت على أنه تعتبر الشركة تجارية إذا كانت غايتها ممارسة عمل تجاري أو إذا اتخذت شكل شركة مساهمة مغفلة أو محدودة المسؤولية. وعليه يظهر لنا من حيث النتيجة أنه قد بات من المسلم به وجود الشركات المدنية , وأن هذه الشركات من الممكن لها أن تتخذ شكل إحدى الشركات التجارية. وفي ضوء ما سلف وفي ظل التشريع السوري النافذ , يبقى السؤال الأهم في هذا المجال , ما هي المحكمة المختصة لحل الخلاف الناشب بين شركاء في شركة مدنية , أتخذت شكل إحدى الشركات التجارية , هل هي محكمة البداية المدنية أم محكمة البداية التجارية ؟؟؟
المراجع : ________ .
– الدكتور إدوار عيد – الشركات التجارية – المبادئ العامة – شركات الأشخاص. – قانون الشركات السوري. – قانون التجارة السوري. – القانون المدني السوري.
ذكرنا فيما سبق من بحث أن معاملات الوقف تتعلق بأعمال الخير والبر والصدقات والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى , لذلك نجد أن هذه المعاملات كانت محكومة بجملة من الآراء والفتاوى التي تستند في وجودها إلى قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية , كما نج إن هذا الحكم يسري على التصنيفات التي صنف الفقهاء الوقف وفقها ، وهو امتد ليطال الأحكام الموضوعية التي كانت ولا زالت مما يُطبق على الوقف. وذكرنا أن هذه الآراء كانت ولا زالت مما يحكم الوقف , حتى البدء بظهور التشريعات الوضعية , حيث حافظت هذه التشريعات مع بعض التعديل على الأحكام القانونية للوقف , وخصوصاَ تلك المستمدة من الشريعة الإسلامية. ومما يُلاحظ في هذا الخصوص أنه ومع بدء ظهور التشريعات الوضعية , بدأت حركة تشريعية خاصة بالوقف , حيث بدأت هذه الحركة بداية من العهد الذي سيطرت فيه الدولة العثمانية على البلاد العربية مروراَ بالاستعمار الفرنسي وصولاَ للحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم البلاد العربية ومنها الدولة السورية. ففي أيام سيطرة الدولة العثمانية كان الوقف محكوماَ بالنصوص والقواعد الشرعية المستمدة من الفقه الإسلامي ، تبعاَ لكون الوقف بسبب طبيعته من أعمال البر والخير , وفيما تلا من تاريخ بدأ الولاة بمنح الأراضي وتوزيعها على الاتباع والموالين , فظهر ما بات يعرف بمصطلح الأراضي الأميرية , حيث عم وانتشر هذا النوع من الأراضي , حتى بات تقريباَ يشمل معظم الأراضي التي دانت فيها السيطرة للعثمانيين , عند ذلك ولمكافحة هذه الظاهرة بدأت تظهر تشريعات وقرارات سلطانية تحد من انتشار هذا النوع من الأراضي , حتى الساعة التي صدر فيه تشريع قضى بالاستيلاء على هذه الأراضي , ولكون الدولة العثمانية كانت دولة قائمة على الأساس الديني , نجد أنها كانت تحترم معاملات الوقف والأراضي التابعة له , كما كانت تحترم وتخشى التعرض للوقف وإرادة وشروط الواقفين , عند ذلك واستغلالاَ لهذا النهج وبغاية التهرب من آثار هذا الاستيلاء , نجد أن الكثير من السلاطين والأمراء والميسورين من الناس , راحت تسرع في وقف أراضيها على جهات البر والخير , حتى صدر قانون الأراضي العثماني في عام ( 1274 ) هجري. قانون الأراضي العثماني قسم الأراضي إلى خمسة أقسام رئيسية , وتبعاَ للأهمية التي كانت للوقف في ذلك الحين ، هذا القانون بموجب المادة الأولى منه جعل الأراضي الموقوفة أحد أهم هذه الأنواع , كما أنه بمجموع مواده كان قد أفرد أحكاماَ خاصة بالوقف , حيث بين الأحكام الخاصة بانتقال أراضي الوقف والأحكام الخاصة بكافة المعاملات التي من الممكن أن تجري على أراضيه. ولكن مما يُلاحظ على هذا القانون أنه ولمحاربة ظاهرة وقف الأراضي الأميرية التي عمت وسادت , هو وبموجب المادة ( 121 ) منه لم يجيز وقف مثل هذه الأراضي إلا بإذن سلطاني كان يعرف بـ ( ملكنامه ) ولأجل ذلك هي نصت على التالي :
[ لا يقدر أحد أن يقف أرضه المتصرف بها بالطابو إلى جهة ما , مالم تتملك له تملكاَ صحيحاَ بملكنامه همايوني من الطرف الملوكي ].
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الحكم استمر حتى تاريخ صدور القانون المدني السوري في عام ( 1949 ) حيث نصت المادة ( 774 ) منه على التالي :
[ ليس للمتصرف في عقار أميري أن ينشئ عليه وقفاَ , كل وقف ينشأ على عقار أميري يعد باطلاَ.]
ولكن من الطبيعي أنه وقبل صدور هذين النصين التشريعيين , كان قد حصل الكثير من الوقف الذي كان يطال الأراضي الأميرية , حيث لم يمس هذا النص بها ، بسبب عدم رجعية القوانين في مثل هذه الحالات. وتاريخياَ مع ظهور هذا النص وبسبب ما كان يدور حول أموال الوقف من خلافات بين المستحقين , من ذراري الواقفين وبين جهات البر والخير , وبسبب تشعب الأحكام والقواعد الشرعية الخاصة بالوقف , التي كانت تحكم الوقف فيما سبق , نجد أنه بدأت جملة من الخلافات بين الجهات المشرفة على الوقف من طرف , وبين الواقفين من طرف أخر , وبين المستحقين لجزء من عائدات الوقف من طرف ثالث , فبات الكثير من الواقفين يقيمون الدعاوي لإثبات صحة ما أوقفوه من أراضي , وكذلك بدأ المستحقون يقيمون دعاوي مماثلة لإثبات صحة ما تم وقفه عليهم , كما بدأت الجهات المشرفة على الوقف تقيم دعاويها الخاصة لإثبات حقوقها على هذه الأموال الموقوفة , مما أفرز الكثير من الخلافات والإشارات التي كانت تُوضع في معرض مثل هذه الدعاوي , بغية حماية حقوق الواقفين أو المستحقين أو حقوق الجهات المشرفة على إدارة واستثمار الوقف. ولكن أهم سبب زاد في حدة هذه الخلافات هو كثرة الآراء الفقهية التي كانت ولازالت تحكم الوقف , وكثرة وتعدد أنواع الوقف وتصنيفاته المختلفة , وكثرة الحقوق التي كان يرتبها النظام القانوني للوقف على الأراضي الوقفية فضلاَ عما أثير من خلافات شرعية وقضائية حول هذه المعاملات , الأمر الذي أفرز الكثير من القيود والإشارات التي كانت توضع على صحائف عقارات الوقف , مما كان يحفظ ويبين حقوق كل من له علاقة بمثل هذه الحقوق.
كثيراَ ما يرد في متن الوكالات القضائية التي يستخدمها المحامون في تمثيل أطراف الدعاوي القضائية , بأن الموكل مدعياَ كان أم مدعى عليه , أو ممن لا علاقة له بالدعوى , سوى أنه تولى توكيل أحد المحامين بصفته وكيلاَ عن أحد الأطراف هذه الدعوى , بأنه يوكل هذا المحامي أو ذاك لتمثيله في دعوى مقامة منه أو عليه أمام المحاكم , أو لتمثيل من هو وكيل عنه , بالأصالة عن نفسه وبأية صفة كانت له. وفي الآونة الأخيرة باتت المحاكم لا تقبل مثل هذه العبارة للدلالة على صحة التمثيل , وإنما هي باتت تعتبرها مما يعيب الخصومة , وراحت تشترط أن يذكر في متن الوكالة أن من باشر تنظيم التوكيل لصالح هذا المحامي الصفة التي يوكل بموجبها , من قبيل أن يذكر أنه يوكل هذا المحامي بصفته وكيلاَ عن أحد أطرافها بموجب الوكالة العدلية العامة أو الخاصة رقم كذا الصادرة عن الكاتب بالعدل في المنطقة كذا. فهل مثل هذا النهج له ما يستند إليه في القانون من أساس , أم أن ذلك عبارة عن تزيد لا داعي له وهو مما لا يتفق مع أحكام القانون ؟؟؟؟ معلوم أنه ومن الناحية القانونية ومن حيث المبدأ , عبارة أصالة وبأية صفة كانت , الدارج أمر استخدامها في الوكالات عموماَ , تعني فيما تعني أن هذا الموكل يوكل وكيلاَ غيره , وذلك بأية صفة كانت له , وأنه وفق ما كان سائداَ فيما سبق من الاجتهاد القضائي , أنه يكفي للتدليل على ماهية هذه الصفة , وحتى تنتج هذه العبارة آثارها القانونية في نسبة هذه الصفة الى الموكل وبيان المقصود بها , إرفاق الوثيقة الرسمية التي تثبت هذه الصفة التي يدعي بها الموكل , كأن يكون الموكل يوكل غيره بصفته ولياَ أو وصياَ أو وريثاَ أو وكيلاَ عن غيره أو سوى ذلك من صفات. وحسب ما نعلم أن سبب هذا التطبيق القانوني الذي ذهب إلى اشتراط ذكر وبيان الصفة صراحة في متن سند التوكيل المنظم من قبل الوكيل عن أحدهم لصالح وكيل أخر , هو أن الهيئة الخماسية لدى محكمة النقض المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة , هي وفي معرض نظرها في دعوى مخاصمة مقامة بمواجهة قضاة إحدى غرف محكمة النقض كانت قد أصدرت القرار رقم ( 181 ) في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 حيث انتهت هذه الهيئة بموجب هذا القرار إلى رد دعوى مخاصمة مقامة أمامها , بتعليل مفاده أن عبارة بأية صفة كانت الواردة في متن سند التوكيل إنما تنصرف إلى صفة الموكل الشخصية , كأن يكون وريث أو ولي أو وصي وليس إلى صفته كوكيل عن غيره. ومن الناحية القانونية هذا القرار كان قد صدر عن الهيئة الخماسية المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة في الهيئة العامة لدى محكمة النقض , وهذه الهيئة هي الهيئة الخماسية المختصة في رؤية دعاوي المخاصمة التي تقام على إحدى غرف محكمة النقض المختلفة , وهي ليست الهيئة السباعية المختصة قانوناَ بتقرير العدول وإقرار المبادئ القانونية التي تنزل منزلة القانون والتي هي الملزمة للمحاكم بمختلف درجاتها. وبالتالي وباعتبار أن هذا القرار لم يصدر عن الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض , حتى تكون له الحجية على ما سواه من دعاوي قضائية , وإنما هو صادر عن الهيئة الخماسية. ودعوى المخاصمة ورد القضاة كما هو معلوم هي دعوى مبتدئة أساسها الخطأ المهني الجسيم , والقانون نص على إقامة هذه الدعوى أمام الهيئة العامة الخماسية لدى محكمة النقض , إذا كان القضاة المدعى عليهم في دعوى المخاصمة هم قضاة إحدى غرف محكمة النقض , وعليه قد يكون القرار الصادر في دعوى المخاصمة في حالات معينة صادراَ عن محكمة استئناف , فهل سيكون لهذا القرار الحجية التي هي للقانون , والتي تجعله ملزماَ لباقي المحاكم !!!! وفي نفس السياق وكما هو معلوم أن قانون السلطة القضائية رقم ( 98 ) لعام 1961 وبموجب الفقرة ( أ ) من المادة ( 49 ) منه كان قد حصر مهمة العدول عن الاجتهاد وإقرار المبادئ القانونية بالهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , في حين جعل الاختصاص في نظر دعاوي المخاصمة ورد القضاة في الهيئة العامة الخماسية وهذه الهيئة والمقصود الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض , هي أعلى مرجع قضائي في القطر السوري , لذلك نجد أن الاجتهاد والتعامل القضائي قد ذهب إلى إلزامية ما يصدر عن هذه الهيئة من مبادئ قانونية أو قرارات عدول عن الاجتهاد. ووفق ما سلف ومن الناحية القانونية القرارات والمبادئ القانونية التي تقرها هذه الهيئة أو التي تصدر عنها هي التي تكون ملزمة للمحاكم , وهي التي تنزل منزلة القانون , وليس قرارات غرفة المخاصمة ورد القضاة لدى الهيئة العامة لمحكمة النقض , ذلك أن قرار الهيئة العامة الخماسية الصادر في معرض دعوى مخاصمة القضاة , هو ولئن كان له واجب الاحترام , لكون صادر عن إحدى الهيئات المؤلفة لمحكمة النقض , إلا أنه ومن الناحية القانونية هو قرار صادر في معرض دعوى مبتدئة , مثله مثل القرارات التي تصدر في الدعاوي عن محاكم البداية أو الصلح المدني , فهو لا حجية له إلا على الدعوى التي صدر في معرضها , وبالتالي لا حجية له على ما سوى ذلك من دعاوي. وبمقابل هذا القرار الصادر عن الهيئة العامة الخماسية لدى محكمة النقض , والذي صدر في معرض دعوى مخاصمة برقم ( 181 ) في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 نقول وكما نعلم بأن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , وهي الهيئة المختصة بالنظر في طلبات العدول عن الاجتهاد وتقرير المبادئ القانونية , وفي معرض طلب عدول وتقرير مبدأ قانوني , كانت وفي عام 1980 قد أقرت المبدأ القانوني رقم ( 24 ) الصادر في القضية رقم أساس رقم ( 53 ) لعام 1980 وبالمحصلة هي طلبت تعميمه على جميع المحاكم للعمل وفقه وبالرجوع إلى نص هذا المبدأ نجد أن الهيئة المذكورة عللت ما ذهبت إليه من مبدأ قانوني بما يلي :
[ إن الصفة بمعناها الاصطلاحي هي ما للشخص من شأن في الدعوى , يجيز له المخاصمة في موضوعها أو إبداء الدفوع فيها , والقاعدة العامة هي أن أصحاب الحقوق هم ذوو الصفة في المخاصمة عنها أمام القضاء , وقد يقوم بمباشرة الدعوى بالنيابة عن صاحب الحق وكلاؤه الاتفاقين أو نوابه أو دائنوه , ويكون لهؤلاء الوكلاء أو النواب أو الدائنين صفة في المخاصمة مستمدة من عقد التوكيل أو نصوص القرارات الصادرة بتسميتهم أو القوانين. وحيث إنه لا داعي لأن ينص في الوكالة على مركز الموكل في الدعوى كمدعي أو مدعى عليه , فإذا وُكل الوكيل بالخصومة في أمر معين أو في سائر الأمور , فهو وكيل في هذا الأمر أو هذه الأمور سواء أكان مركز الموكل مدعياَ أو مدعى عليه. وحيث إن الأصل هو إعمال الكلام لا إهماله لذا فلا وجه لأن تنصرف عبارة ( بأية صفة كانت ) إلى مركز الموكل كمدعي أو مدعى عليه , ولا بد من إعطائها مدلولها وصرفها إلى ما قصده الموكل بأنه يوكل لا بصفته الشخصية , بل بأية صفة تكون له , كوكيل اتفاقي أو ولي أو وصي أو غير ذلك , مادام الموكل عبر عن إرادته بأنه يوكل الوكيل بأية صفة كانت , وحيث إنه في مثل هذه الحالة يكفي إبراز ما يؤيد هذه الصفة سواء أمام موثق الوكالة أو أثناء المحاكمة مادام نص الوكالة له هذه السعة وهذا الشمول …….]
مما سلف نجد أن القرار رقم ( 181 ) الصادر في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 عن الهيئة الخماسية المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة لدى محكمة النقض , هو قرار مخالف لمبدأ قانوني سابق , كانت قد أقرته الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , وبالتالي لا حجية لهذا القرار , لكونه يخالف المبدأ القانوني رقم ( 24 ) اساس رقم ( 53 ) لعام 1980 هذا المبدأ الذي ينزل منزلة القانون , والذي هو الملزم للمحاكم كافة , والذي مخالفته تشكل الذلة المسلكية بالمفهوم القانوني المعروف , علماَ بأننا لم نجد ما يثبت أن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض كانت قد عدلت عن هذا المبدأ القانوني. وعليه ووفق ما سلف نجد أن النهج الذي باتت تتبعه المحاكم في الفترة الأخيرة , إنما هو نهج غير محمود من الناحية القانونية , لكونه يقيد ما هو مطلق , والذي يجب أخذه على إطلاقه , مالم يوجد ما يقيده , وهو فوق ذلك نهج يضيق الأمر الواسع , ويقيد مسألة التمثيل في الدعاوي بشروط شكلية ضيقة لا فائدة منها سوى إضاعة الوقت والمال على الأطراف وأصحاب الحقوق , وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون والعدالة والإنصاف , والأهم أنه هو نهج مخالف للمبدأ القانوني رقم ( 24 ) أساس رقم ( 53 ) لعام 1980 الصادر عن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , هذه الهيئة الذي جعلها القانون هي وحدها دون غيرها المختصة في تقرير المبادئ القانونية.