تخضع الشركات للتصفية وهذه التصفية تنتهي بقسمة موجودات الشركة على الشركاء كلاً وفق نصيبه , بعد سداد ووفاء الديون التي كانت على الشركة , ولكن بالمقابل قد تبقى بعض حقوق دائني الشركة المنحلة معلقة خلال المدة الزمنية التالية لانتهاء أعمال التصفية وحصول القسمة , وهذه الحقوق من المحتمل أن تكون موضوعاً لدعاوي كثيرة متفرعة ومستندة إلى وجود هذه الحقوق بذمة الشركة التي انتهى وجودها بالتصفية. وقانون التجارة في هذا الخصوص كان قد تضمن قاعدة خاصة تقضي بتقصير مدد مرور الزمن على الدعاوي الناشئة عن أعمال الشركة , والتي يمكن أن تقام من دائني الشركة على الشركاء , وكل ذلك مراعاة لمصلحة الشركاء التي تستلزم تصفية المنازعات في مواجهة الشركاء في فترة لا تطول كثيراً , كي يتمكنوا من الانصراف إلى ممارسة نشاطهم التجاري في مشاريع أخرى دون التعرض لملاحقات مستمرة ناتجة عن أعمال تجارية كانت تمارسها الشركة المنحلة. ولأجل إعمال الآثار القانونية لهذا المبدأ نجد أن مواد قانون التجارة قد نصت على أنه وفي جميع الشركات التجارية تسقط بالتقادم دعاوى دائني الشركة عن الشركاء أو ورثتهم أو خلفائهم في الحقوق , بعد انقضاء خمس سنوات على انحلال الشركة أو على خروج أحد الشركاء فيما يختص بالدعاوى المقامة على هذا الشريك. وفيما يخص سريان مدة التقادم المحددة في الفقرة السابقة على مثل هذه الحقوق , نجد أن الفقرة الرابعة من نفس المادة نصت على أن تبدأ مدة التقادم من يوم إتمام الشهر في جميع الحالات التي يكون الشهر فيها واجباً ومن يوم إغلاق التصفية في الدعاوى الناشئة عن التصفية نفسها , ويوقف التقادم أو يقطع وفقا لأحكام القواعد العامة. وهذا المبدأ القانوني هو مما يطبق على جميع الشركات التجارية , فيما عدا شركة المحاصة , والسبب في عدم سريان مدة التقادم هذه على هذا النوع من الشركات , هو عدم وجود دائنين بالمعنى القانوني لهذا النوع من الشركات , فهي شركة خفية لا وجود لها تجاه الغير , وتنحصر العلاقة مبدئياً وعند التعامل مع هذه الشركات , بين الغير والشريك الذي تعاقد معه دون سائر الشركاء. ومما يُلاحظ في هذا الخصوص أن مدة التقادم المذكورة في الحالة السابقة لا تسري على واقعة تحول الشركة من نوع إلى نوع أخر , كتحول الشركة من شركة تضامن إلى شركة توصية بسيطة مثلاً , إذا كان هذا التحول لا يؤدي إلى انحلال الشركة وزوال شخصيتها المعنوية , وخصوصاً إذا ما ورد نص على ذلك في عقد التأسيس أو القانون , كأن يرد نص في عقد التأسيس على أنه في حال وفاة أحد الشركاء تتحول الشركة إلى شريكة توصية بسيطة يكون فيها ورثته هم الشركاء الموصين , أو كأن ينص في القانون على تحول الشركة من شركة محدودة المسؤولية إلى شركة مساهمة بمجرد وصول عدد الشركاء إلى حد معين. أما إذا اندمجت الشركة مع غيرها فيطبق على هذه الحقوق التقادم القصير المذكور أعلاه , لكون الدمج هو مما يؤدي إلى زوال الشركة أو الشركات المندمجة , مما يستتبع تطبيق مدد مرور الزمن المحددة أعلاه. كما إن نفس المدد تطبق في حالة انحلال الشركة دون خضوعها للتصفية , بسبب ضآلة موجودات هذه الشركة , والتي تم قسمتها مباشرة بين الشركاء. كما إن مدد التقادم المذكورة تطبق في حالة بطلان الشركة , وقيامها في السابق بممارسة نشاط تجاري كشركة فعلية , ففي مثل هذه الحالة يترتب على بطلان الشركة نفس الأثر المترتب على انحلال الشركة. كما يسري مرور الزمن الخمسي في حالة خروج أحد الشركاء من الشركة , ولكن هذا السريان يكون بمواجهة الشريك الذي خرج من الشركة وبخصوص الدعاوي المقامة بمواجهة هذا الشريك فقط. أما إفلاس الشركة فهو مما لا يؤدي قانوناً إلى انحلال الشركة , فلا تسري مدد التقادم هذه على الدعاوي المقامة على الشركاء في مثل هذه الحالة.
يعتقد الكثير من المشتغلين في الشأن القانوني أن مصطلح ( المتجر / المخزن التجاري ) نشأ بالتزامن مع تدخل المشرع في العلاقات الايجارية واعتبارها بموجب هذا التدخل بحكم العلاقات الممددة بنص القانون , ولكن في الحقيقة هذا المصطلح كان قد نشأ في وقت وفي ظروف مختلفة عن ذلك كلياَ. فالقانون المدني السوري المستقى في معظمه من القانون المدني المصري , هو وعندما بحث في عقد الإيجار كأحد العقود المسماة , كان قد نص وبموجب المادة ( 560 ) منه على أن يكون من حق المستأجر التنازل عن الإيجار أو عقد إيجار ثانوي مع الغير , عن كل ما أستأجره أو عن بعضه , ما لم ينص الاتفاق أو عقد الإيجار على غير ذلك. وهذا قانوناَ يعني ومن حيث المبدأ جواز أن يتنازل المستأجر عن حقوقه في عقد الإيجار للغير أو جواز أن يعقد إيجاراَ ثانونياَ على ما أستأجره , مالم يكن ممنوعاَ من ذلك بشرط صريح ورد في عقد الإيجار نفسه أو في اتفاق مستقل مع المؤجر. ليس هذا فقط بل إن القانون المدني تابع بحثه في هذه الحالة فنص بموجب الفقرة الأولى من المادة ( 561 ) منه على أن منع المستأجر من عقد إيجار ثانوي , يقتضي منعه من التنازل عن الإيجار , وهو لأجل ترسيخ هذا الحكم جعل العكس صحيحاَ , أي منع المستأجر من التنازل عن الإيجار يعني حكماَ منعه من عقد الإيجار الثانوي. ولكن ما يهم في هذا المقام هو نص الفقرة الثانية من المادة ( 561 ) من القانون المدني الذي نص على أنه إذا كان عقد الإيجار خاصاَ بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر , واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو هذا المتجر ، جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار , إذا لم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق. وعليه هذا النص أجاز للمحكمة إقرار بيع أو تنازل المستأجر عن عقد الإيجار , بالرغم من وجود الشرط الذي يمنع المستأجر من ذلك , أو من عقد إيجار ثانوني , بشرط أن يكون الإيجار يتعلق بمأجور منشئ فيه مصنع أو متجر , وأن تكون الضرورة اقتضت مثل هذا التنازل أو هذا البيع , وبشرط أن لا يلحق هذا التصرف بالمؤجر ضرراَ محققاَ. وعليه يكون هذا هو الظهور الرسمي الأول لمصطلح المتجر , في نصوص القانون المدني , هذا القانون الذي تضمن القاعدة القانونية الشهيرة في مجال العقود , والتي تقول بأن العقد شريعة المتعاقدين , فهذا النص وبشكل واضح وصريح , أجاز للمستأجر مخالفة العقد الذي هو شريعة المتعاقدين , وبالتالي أجاز للمحكمة إقرار هذه المخالفة والإبقاء عليها , وبالتالي الإبقاء على بيع أو تنازل المستأجر عن المأجور شرط أن يكون هذا المأجور منشئ فيه متجر أو مصنع , واقتضت الضرورة ذلك , وبشرط أن لا يلحق المؤجر ضرراَ محققاَ من مثل هذا التصرف. وبالتالي مصطلح المتجر مصطلح قديم , وهو ورد في القانون المدني , ولم يظهر مع عقود الإيجار المعتبرة ممددة حكماَ وبنص القانون , كما يعتقد البعض. وفي هذا الخصوص وتأكيداَ لهذا الرأي العلامة عبد الرزاق السنهوري , في مؤلفه القيم شرح القانون المدني الجديد , والذي قارنه فيه فيما بين نصوص القانون المدني المصري القديم ونصوص القانون المصري الجديد يقول التالي :
[ الجدك المعد للتجارة أو الصناعة , كما ورد في ( 367 / 450 ) مدني قديم , هو لفظ أصله فارسي , ومعناه الرفوف المركبة في الحانوت أو الأغلاق على وجه القرار ( ابن عابدين 3 ص 403 ) وأنه ورد في المادة ( 706 ) من كتاب مرشد الحيوان أن الكدك ( بالكاف ) يطلق على الأعيان المملوكة للمستأجر المتصلة بالحانوت على وجه القرار , كالبناء أولاَ وعلى وجه القرار , وكالآلات الصناعية المركبة به , ويطلق أيضاَ على الكردار في الأراضي كالبناء والغرس فيها. وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الكدك يطلق على ما يبنيه مستأجر أرض الوقف من ماله لنفسه بإذن المتولي , سواء جعل بناءه حانوتاَ للتجارة أو للصناعة , ويكون الكدك على الأرض الموقوفة فمن أدعى بان له كدكاَ على أرض انطوى تحت دعواه إقراراَ منه بأن الأرض وقف. ولكن محكمة النقض قضت بأن المتجر أو المصنع الذي عبر عنه الشارع بالجدك المعد للتجارة أو للصناعة والمنطبق على واقعة الدعوى يشمل جميع عناصر المتجر أو المصنع من ثابت أو منقول ومن مقومات مادية أو غير مادية , ولا يهم أن يكون قائماَ على أرض موقوفة أو غير موقوفة , إذ ليس ثمة ما يوجب التقييد في هذا الخصوص بتفسير فقهاء الشريعة الإسلامية لمعنى الجدك , متى كان قد وضح من عبارة النص القانوني أن الشارع قصد به معنى أخر. وعليه نرى أن المراد بالجدك المنصوص عليه بالمادة ( 367 / 540 ) مدني قديم هو المعدات التي يضعها المستأجر في المحل المؤجر لمباشرة تجارة أو صناعة , سواء كان ذلك بناء أو آلات صناعية أو رفوفاَ ودواليب أو غير ذلك , مما تقتضيه المهنة التي يباشرها , وبعبارة أخرى يكون المراد بالجدك المحل التجاري أو الصناعي الذي يؤسسه المستأجر في عين هو مستأجر لها لا مالك , ويجب أن تفهم عبارة المحل التجاري أو الصناعي بمعناها الواسع فتشمل الاسم التجاري والعملاء]. _______________________________________ عبد الرزاق السنهوري شرح القانون المدني الجديد – الجزء السادس – هامش الصفحتين ( 677 – 678 ). ________________________________________
وبالرغم من وضوح ورجاحة رأي العلامة السنهوري , وبالرغم من النص الواضح الصريح الوارد في القانون المدني السوري , والمقصود نص المادة ( 561 ) منه , وبالرغم من وضوح نصوص القانون المدني المصري الجديد والقديم , والتي كلها ذهبت إلى أن الأصل التاريخي لمفهوم المتجر هو عبارة ( الكدك ) ذات الأصول الفارسية والمعروفة في مجال التطبيقات الوقفية , بالرغم من كل هذا الوضوح , مازال هناك الكثير من المشتغلين في الشأن القانوني ممن يجيزون إطلاق تعبير المتجر على المحل الذي يستثمره مالكه بنفسه في تجارة ما. وبرأينا هذا فيه تضيق كبير وغير مبرر لحق الملكية , فحق الملكية بالمفهوم القانوني المعروف هو أكثر الحقوق اتساعاً , وقطعاً ليس من مصلحة مالك أي عقار أن يحصر حقوقه المتفرعة عن حق الملكية الواسع , وذلك فقط ضمن الحقوق المتفرعة عن مفهوم المتجر المعروف .
الأملاك العامة تشمل الكثير من الأملاك , فهي تبدأ بالشواطئ البحرية والغدران والبحيرات والأنهار والينابيع والمياه الجوفية وأقنية الملاحة والري وشبكات الكهرباء والهاتف وإنشاءات التحصين والمراكز الحربية والعسكرية , لتنتهي بالشوارع والطرقات والممرات وخطوط المواصلات والسكك الحديدية وسواه. وفي هذا الخصوص نصت الفقرة الأولى من المادة ( 90 ) من القانون المدني على أنه تعتبر أموالاَ عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة ، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم , في حين نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه لا يجوز التصرف في هذه الأموال كما منعت الحجر عليها , وهي لم تجز تملك هذه الأموال بالتقادم. وتابعت المادة ( 91 ) من القانون المدني فنصت على أنه تفقد الأموال العامة صفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة ، وينتهي التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم ، أو بالفعل ، أو بانتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال لمنفعة عامة. وهذه الأموال منظمة بموجب القرار رقم ( 144 ) لعام 1925 المتضمن نظام الأملاك العامة , المعدل بالقانون رقم ( 88 ) تاريخ 25 / 6 / 1958 الذي كان قد بحث في الأملاك العامة بشكل مفصل , حيث أكد وفي مادته الأولى على أن الأموال العامة تشمل الأملاك العمومية , وهي جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال المصلحة العمومية , وهذه الأموال وبسبب ما أعدت له هي مما لا يجوز بيعه , كما لا يجوز اكتساب ملكيتها بمرور الزمن , وهي مما لا يخضع لعمليات التحديد والتحرير إلا بموجب قرار خاص يصدر عن رئيس الدولة يحدد المنطقة والأملاك العمومية التي ستخضع لمثل هذه العمليات. وقد قسمت المادة الرابعة من هذا القرار الأملاك العامة إلى قسمين , بالاستناد إلى معيار المنفعة المخصصة لها هذه الأملاك , فالقسم الأول هو الأملاك العامة الوطنية العمومية ويشمل الأملاك العامة المخصصة للمنفعة العامة الوطنية العمومية , أما القسم الثاني فهي الأملاك العامة المخصصة للمنفعة البلدية. واهم جاء في هذا القرار هو نص المادة ( 14 ) منه , فهذا النص كان قد بحث وتحت عنوان إشغال الأملاك العامة المؤقت , ولأجل ذلك هو أجاز لكل من الدولة والبلديات وكلاً فيما يخصه أن يرخص بصفة مؤقتة قابلة للإلغاء أو مقابل رسم ما , بإشغال الأملاك العامة إشغالاً شخصياً مانعاً , لا سيما إذا كانت المسألة تتعلق بمشروع معين. وهذا الإشغال يسمى امتيازاً إذا كان يتعلق بمصلحة عمومية , أو يكون إجازة إذا لم يكن يتعلق بمصلحة عمومية , فالإجازة لا تتعلق بمصلحة عمومية , ونص هذه المادة وفي كلا الحالتين اشترط لمنح الامتياز أو الإجازة المحافظة على حقوق الآخرين. والمادة ( 15 ) من القرار اشترطت أن تعطى الامتيازات وفق الأحكام المنصوص عليها في القرار رقم ( 2511 ) تاريخ 20 / 3 / 1924. وعادة تمنح الإجازة الخاصة بالأملاك العمومية الخاصة بالدولة بقرار من رئيس الدولة , أما الإجازات الخاصة بالأملاك العامة الخاصة بالبلديات , فتعطى وفقاً للقوانين والشرائع الخاصة بالبلديات , وهذه الإجازة تمنح لمدة سنة واحدة ويمكن تجديدها بطريقة القبول الضمني , بحيث يحدد في قرار منحها الرسوم الواجب دفعها لقاء , وتحسب هذه الرسوم في ضوء المساحة والموقع , ويمكن بصورة استثنائية تخفيضها كثيراً , فيما إذا كانت تتعلق بمنفعة عمومية , وهذه الرسوم يجب دفعها سلفاً بحيث لا يحق لصاحب الإجازة أن يتنازل عنها قبل انتهاء السنة المبدئية. ووفق المادة ( 18 ) من القرار يمكن إلغاء إجازات الإشغال المؤقت للأملاك العمومية , بدون تعويض , عند أول طلب من الإدارة , على أن يحق لصاحب الإجازة أن يدعي بإعادة كل أو بعض الرسوم التي دفعها , ويجري سحب الإجازة بقرار من رئيس الدولة.
اليمين الحاسمة هي اليمين التي يوجهها أحدا المتداعين لخصمه ليحسم بها النزاع المعروض على القضاء ، لذلك يمكن لأي من الخصمين أن يوجه هذه اليمين للآخر ، واليمين الحاسمة هي مما لا يوجه إلا بإذن من المحكمة الناظرة في الدعوى ، والقانون من باب العدل والمساواة بين الخصوم ، أجاز لمن وجهت إليه اليمين أن يرد هذه اليمين على خصمه ، إلا إذا كانت هذه اليمين مما يتعلق بواقعة شخصية لا يشترك فيها الطرفان ، ولأجل ذلك يخسر الدعوى كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردَّها على خصمه ، وكل من ردّت عليه اليمين فنكل عنها .
وتوجيه اليمين الحاسمة أو النكول عنها ، هما من الوقائع القانونية التي يترتب عليهما الكثير من الأحكام القانونية ، لذلك نجد أن القانون قد اشترط أهلية التصرف في كل من يوجه اليمين ومن توجه إليه هذه اليمين .
وفي ضوء ذلك على من وجهت إليه هذه اليمين ، إذا لم يرد حلفها كان عليه أن يردها إلى خصمه الذي وجهها له ، وبالتالي من يُطلب منه حلف هذه اليمين يلتزم التزاماً أصلياً بحلفها ، والتزاماً بدلياً بردها على من وجهها له ، ويترتب على أن الالتزام بالرد هو التزام بدلي لا تخيري أنه إذا وجهت اليمين إلى الخصم في الدعوى فإنه يُصبح ملتزماً بالحلف أصلاً وبالرد بدلاً فإذا استحال عليه تنفيذ الالتزام الأصلي وهو الحلف ، كأن مات أو أفلس أو تم الحجر عليه فلا يُصار إلى الالتزام البدلي وهو رد اليمين وإنما يسقط الالتزامان الأصلي والبدلي معاً ، وتعود الحالة بين من وجه اليمين وورثة من وجهت إليه اليمين إلى ما كانت عليه قبل توجيه اليمين ، وعليه لو كان هذا الالتزام تخييرياً واستحال تنفيذ الالتزام الأصلي وهو الحلف ، لوجب الانتقال إلى تنفيذ الالتزام التخيري ، ولكنا اعتبرنا اليمين مردودة على الخصم الذي كان قد وجه هذه اليمين . والنكول عن الحلف إما أن يقع ممن وُجهت إليه اليمين ابتداء , فلا يردها على خصمه , ولا يحلف فيعتبر ناكلاً عن الحلف , وإما أن يقع ممن ردت عليه اليمين , فهذا لا يستطيع ردها ثانية على من وجهها , وهو سيكون أمام خيارين لا ثالث لهما , إما الحلف أو النكول .
ويقع النكول بعدم الحلف حين يجب الحلف ، فالنكول هو موقف سلبي يتمثل بعدم حلف اليمين ممن يجب عليه الحلف وقد ميز الفقه في حكم النكول بين صدور هذا الحكم في حضور الخصم المطلوب منه الحلف وبين صدوره عليه وهو غائب .
فإذا صدر الحكم عليه بالحلف وهو حاضر فسواء أنازع في جواز اليمين أو في تعلقها بالدعوى ورفضت المحكمة هذه المنازعة أو لم ينازع في ذلك وجب عليه الحلف فوراً أو ردها على خصمه فإذا سكت عن الحلف والرد اُعتبر ناكلاً ويجوز مع ذلك أن تعين المحكمة في حكمها هذا يوماً معيناً للحلف فيعتبر هذا الحكم تبليغاً للخصوم الحاضرين شرط أن يكون مثبتاً ف محضر الجلسة ويعتبر حضور الوكيل في هذه الحالة يغني عن حضور المكلف بالحلف متى ما كان هذا الوكيل ممن يصح تبليغه في مواجهة الأصيل . أما إذا صدر حكم الحلف في غياب المطلوب منه الحلف فهنا يجب تبليغه بالحضور بواسطة محضر رسمي وذلك لحلف اليمين بالصيغة التي أقرتها المحكمة وفي اليوم الذي تحدده له للحلف فإن حضر وامتنع عن الحلف والرد دون أن ينازع ، اعتبر ناكلاً ، وإن تغيب تنظر المحكمة في سبب غيابه ، فإن اعتبرت الغياب مشروعاً لعذر شرعي جاز لها أن تحدد موعداً أخر لحلف اليمين ، وإلا اعتبرت غيابه دون عذر شرعي نكولاً عن الحلف .
والنكول من الناحية القانونية يعتبر بمثابة الإقرار وتكيفه هو تكييف الإقرار ، فإذا نكل الخصم على الوجه المتقدم ذكره لم يجز له بعد ذلك أن يطلب السماح له بالحلف من جديد ، بل يحكم عليه بالاستناد إلى نكوله .
فمثلاً من نكل عن الحلف أمام محكمة أول درجة وصدر الحكم عليه بالاستناد إلى هذا النكول ، وجرى استئناف الحكم إلى أمام محكمة الدرجة الثانية ، فإنه لا يجوز له أن يعود ويبدي استعداده لحلف اليمين التي نكل عنها أمام محكمة الدرجة الأولى ، وإلا كان هذا بمثابة الرجوع عن الإقرار ، وهذا أمر لم يجزه القانون كما هو معلوم .
اختلف الفقهاء كثيراً في توصيف اليمين الحاسمة ، فالبعض قال بأنها عبارة عن صلح ، والبعض الآخر قال وهو الرأي الفقهي الراجح ، بأنها عقد ، وهذا العقد أقرب ما يكون إلى عقد التحكيم ، لذلك تعتبر اليمين الحاسمة من التصرفات القانونية التي تترتب عليها آثار قانونية هامة . ولكون توجيه اليمين الحاسمة معتبراً من التصرفات القانونية ، التي تتضمن تحكيم ضمير الخصم ، فإنه يجب لصحة هذا التصرف ما يجب لصحة التحكيم ، فالتحكيم كما هو معلوم لا يصح إلا ممن له التصرف في حقوقه كما إن التصرف القانوني المتضمن توجيه اليمين الحاسمة ، يجب أن لا يكون صادراً عن إرادة مشوبة بغلط أو تدليس أو إكراه ، كما إن التوكيل في توجيه اليمين ( الاستحلاف ) هو أمر جائز ، بخلاف حلف هذه اليمين ( الحلف ) فهو أمر غير جائز ، ولكن التوكيل في توجيه اليمين الحاسمة من التصرفات التي تتطلب ، كما يتطلب التحكيم وكالة خاصة أو نص خاص يجيز ذلك .
وباعتبار أن توجيه اليمن الحاسمة معتبراً من التصرفات القانونية ، فإن هذا التصرف ترد عليه الصورية ، كما هي ترد على الإقرار ، فتوجيه اليمين الحاسمة كالإقرار تُشترط فيه الأهلية الكاملة ، كما يجب أن تكون الإرادة في توجيه اليمين الحاسمة خالية من عيوب الإرادة . لذلك نجد أنه يُشترط فيمن يوجه اليمين الحاسمة أن يكون كامل أهلية التصرف ، أي أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً عليه ، فالصبي الذي لم يبلغ سن الرشد ، والمحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه والتاجر المفلس ، لا يجوز لأي منهم أن يوجه اليمين الحاسمة ، إلا عن طريق نائب يملك ذلك وينوب عنهم في ذلك ، والنائب قد يكون الولي وهو يملك توجيه اليمين الحاسمة لأنه يملك التصرف ، في حين أن الوصي أو القيم فلا يجوز لهما ذلك إلا في الإعمال التي يملكانها وهي إعمال الإدارة أما في أعمال التصرف فلا بد لهما من الحصول على إذن بذلك من القاضي الشرعي .
كما يُشترط أن لا يكون توجيه اليمين الحاسمة مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه ، ويكون توجيه اليمين مشوباً بالغلط في الواقع إذا أخفى الخصم الذي وجهت إليه اليمين عن الخصم الذي وجهها مستنداً صالحاً لإثبات الدعوى فيعتقد من وجه اليمين أن لا سبيل أمامه إلا توجيه هذه اليمين ، وقد يكون الغلط واقعاً في القانون كأن يعتقد موجه اليمين أن البينة ما عدا اليمين ممنوعة قانوناً وليس معه دليل كتابي يثبت ما يدعيه فيوجه هذه اليمين إلى خصمه ، ثم تبين له بعد توجيهها أن القانون يجيز الإثبات فيما سواها من بينات ، وقد يكون توجيه اليمين مستنداً إلى تدليس وقع على من وجهها من خصمه كأن يوهمه خصمه أن القانون لا يجيز له الإثبات بالبينات الأخرى وأن ليس أمامه سوى توجيه هذه اليمين ، وقد يكون توجيه اليمين عن إكراه وقع على من وجهها خارج مجلس القضاء فلم يجد بداً من توجيه هذه اليمين ، ولا يعتبر إكراهاً من يجد نفسه مجرداً من الدليل فيوجه هذه اليمين لخصمه ومن ثم يستجد بعد ذلك دليل يحصل عليه ، وفي جميع الأحوال التي يكون فيها توجيه اليمين مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه يعتبر توجيه اليمين غير صحيح ، وكل ذلك بسبب أن اليمين الحاسمة تصرفاً قانونياً ، لذلك يجوز لمن وجه هذه اليمين أن يبطله حتى بعد أن يقبل الخصم الآخر الحلف وحتى بعد أن يحلف . والتوكيل في توجيه اليمين الحاسمة لا يجوز بوكالة عامة ، إذ لا بد من وكالة خاصة في ذلك ، لذلك لا يصح توجيه اليمين من وكيل عام ، ولا يصح من محامي مالم يكن التوكيل الصادر لصالحه من قبل موكله منصوصاً فيه على تفويضه في توجيه هذه اليمين ، ولكن لا يشترط تعين محل توجيه اليمين على التخصيص فيصح التوكيل في توجيه اليمين في خصومة معينة دون تحديد إدعاء معين بالذات . ويجوز أن ترد الصورية على توجيه اليمين ويكون ذلك نتيجة تواطؤ وقع من الخصمين إضراراً بحقوق الغير كالدائنين والشركاء والخلف ، فيخفي الخصم الأدلة التي يملكها لإثبات حقه ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه فيحلفها هذا الخصم ، فيخسر المدعي الدعوى , ويضر بذلك بحقوق الدائنين أو الشركاء أو الخلف , وغيرهم ممن له مصلحة , لذلك يجوز لهؤلاء التدخل في الدعوى قبل صدور الحكم لمنع الإضرار بحقوقهم ، وإذا كان قد صدر الحكم في الدعوى جاز لهم أن يعارضوا فيه عن طريق اعتراض الغير لإثبات التواطؤ . ____________________________________ .
عبد الرحمن السنهوري – شرح القانون المدني الجديد – الصفحات من ( 521 ) إلى ( 524 ) بتصرف بسيط . ______________________________________ .