بعد التدقيق والمداولة تجد محكمتنا ان وقائع القضية تتلخص انه وفي الشهر الثاني من عام 2023 قامت المشتكى عليها بالاعتداء على ابن المشتكي الحدث م.م بالضرب حيث قامت بعضه و خمشه و كان ذلك في الشارع المقابل لمنزل المشتكي وعندما حاول المشتكي تخليص ابنه الحدث م.م من المشتكى عليها قامت الأخيرة بتهديد المشتكي بالقول : (رح اشتكي عليك و اخليك تزود بالسجن و رح أتهمك إنك تهجمت علي إذا بتقرب) حيث تأثر المشتكي من تهديد المشتكى عليها و تقدم بالشكوى وجرت الملاحقة.
هذه الوقائع ثابتة للمحكمة من خلال:
ملف القضية الصلحية الجزائية رقم 1463/2023 المبرز ن/1 بكامل محتوياته.
وفي القانون:
تنص المادة (351) من قانون العقوبات أنه :- (( إذا لم يتضمن التهديد بإحدى الجنايات المذكورة أعلاه أمراً أو تضمن أمراً إلا أنه حصل مشافهةً دون واسطة شخص آخر بناءً على شكوى المتضرر عوقب بالحبس من شهر إلى سنتين )) .
كما نصت المادة (334) من قانون العقوبات على:
1. اذا لم ينجم عن الافعال المبينة في المادة السابقة اي مرض او تعطيل عن العمل او نجم عنها مرض او تعطيل ولكن مدته لم تزد على العشرين يوما عوقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تزيد على مائة دينار او بكلتا هاتين العقوبتين.
2. اذا لم ينجم عن الافعال المبينة في المادة السابقة مرض او تعطيل عن العمل تزيد مدته على عشرة ايام، فلا يجوز تعقب الدعوى بدون شكوى المتضرر كتابة او شفهيا وفي هذه الحالة يحق للشاكي ان يتنازل عن شكواه الى ان يكتسب الحكم الدرجة القطعية، وعندئذ تسقط دعوى الحق العام.
وبتطبيق القانوني على وقائع الدعوى وباستعراض المحكمة لأركان وعناصر جرم الايذاء تجدها على النحو التالي:
الركن القانوني: وهو السند الشرعي لاعتبار فعل ما جريمة وتحديد الجزاء المترتب عليه ويتكون من ثلاثة عناصر هي؛ وجود نص في القانون على تجريم الفعل ووجود نص يقرر عقوبة او تدابير احترازية للفعل المجرم وعدم خضوع الفعل لسبب من اسباب التبرير التي نص عليها القانون وفي معرض هذه القضية فان الركن القانوني يتمثل بنص المادة (334 ) من قانون العقوبات.
محل الاعتداء : وهو الحق في سلامة الجسد، ويقوم هذا الحق على ثلاثة عناصر:
العنصر الاول: السير الطبيعي لوظائف الحياة في الجسم، حيث ان لكل انسان الحق في صيانة جسده من أي اعتداء وان يحتفظ بالقدر المتوفر لديه من الصحة اي مصلحته في الا يهبط مستواه الصحي.
العنصر الثاني: التكامل الجسدي أي مصلحة الجسم في ان يحتفظ بمادته في كل جزئياتها وهذا احدى عناصر الحق في سلامة جسد الانسان وان كل اعتداء أو فعل من شانه الانتقاص من مادة الجسم يعد اعتداء على سلامته.
العنصر الثالث: التحرر من الالام البدنية، ويقصد بذلك ان الانسان صاحب الحق في صيانة وسلامة جسده وانه يتلقى شعوراً معيناً حينما يتخذ جسمه وضعاً أو صورة معينة ويعترف القانون بمصلحته في أن يظل محتفظاً بهذا الشعور، وبقدر من الارتياح المعتاد وتطبيقاً لذلك فإن كل اعتداء يؤدي الى احداث الالام بجسد المجني عليه يعد مساساً بالحق في سلامة الجسد.
2.الركن الثاني : الركن المادي: ويقوم هذا الركن على ثلاثة عناصر وهي على النحو التالي:
العنصر الاول: الفعل الذي يرتكبه الجاني ويشكل الاعتداء على سلامه جسد المجني عليه ، ويتمثل باتيان افعال الضرب او الجرح او الايذاء ويقصد بالضرب الضغط على انسجة المجني عليه وفي حال اسفر هذا الضغط عن تمزيق في انسجة الجسد او قطع لها سمي جرحا اما الايذاء فهو كل مساس بجسد المجني عليه دون ضرب او جرح اي دون ضغط على انسجته او تمزيق لها كالبصق على الوجه والرش بالماء ونثر الرمال او التراب عليه وقص الشعر وقضم الاظافر وتسليط الاشعة الضارة لاجهزة الجسم واطلاق الاضاءة المبهرة امام العينين ليلا او اطلاق الضوضاء الصوتية قرب الاذن لايذائها ومعيار التفرقة بين الضرب والايذاء تبعا لجسامة التعدي وهي مسالة موضوعية يرجع في تقديرها الى قاضي الموضوع ( انظر لطفا قانون العقوبات الخاص – محمد زكي ابو عامر و سليمان عبدالمنعم –منشوراتالحلبي الحقوقية 2004 – الصفحات من 351- 354 ).
العنصر الثاني: النتيجة المترتبة على هذا الاعتداء الذي اصاب جسد المجني عليه بالالام والمعاناه .
العنصر الثالث: رابطة السببية ما بين الفعل والنتيجة، أي أن تكون رابطة السببية موجودة بين فعل الجاني وبين الذي اصيب به المجني عليه.
3.الركن الثالث : القصد الجرمي: ويتوافر هذا القصد في هذا الجرم اذا ارتكب الجاني الفعل المكون للجريمه عن ارادة وعلم بان هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسد الانسان، أي أن تتجه إرادة الجاني الى المساس بسلامة وصحة جسدها المجني عليه وان يكون قد توقع النتيجة التي تترتب على فعله وتتجه ارادته مع ذلك لتحقيقها.
وحيث نجد الأفعال التي قامت بها المشتكى عليها والمتمثلة بقيامها بالاعتداء بالضرب على الحدث م.م وعضه وخمشه مما أدى لاصابته واحتصاله على تقرير طبي بمدة تعطيل أسبوع، ومن ثم قيامها بتهديد المشتكي بقولها له ( راح اشتكي عليك واخليك تزود بالسجن ورح اتهمك انك تهجمت علي اذا بتقرب…) مما أدى لشعوره بالخوف نتيجة ذلك، مما يعني تحقق كافة اركان وعناصر الجرائم المسندة للمشتكى عليها، وحيث ان محكمة الدرجة الاولى توصلت لإدانة المشتكى عليها بالجرمين المسندين اليها، ولذات النتيجة التي توصلنا لها وطبقت احكام القانون تطبيقا سليما على وقائع الدعوى مما يتوجب ادانتها بهذين الجرمين.
2. وتعني عبارة (اخذ المال) إزالة تصرف المالك فيه برفعه من مكانه ونقله وإذا كان متصلا بغير منقول فبفصله عنه فصلاً تاما ونقله.
3. وتشمل لفظة (مال) القوى المحرزة .
وقد استقر الفقه والقضاء على ان اركان جريمة السرقة هي :ـ
أولا:الركن المادي
والذي يتألف من فعل أخذ مال الغير المنقول دون رضاه. وبتحليل هذا الركن تجد المحكمة
بأنه يقوم على عنصرين هما:
1. أخذ المال والاستيلاء على الحيازة
2. عدم رضاء المالك أو الحائز.
ثانيا: محل جريمة السرقة:
لا يتكوّن جرم السرقة إلاّ إذا كان الشيء موضوعه متمتعاً بصفات معينة :
¬ (ا) أن يكون موضوع السرقة هو شيء قابل للتملّك(مال)
(ب) أن يكون مال منقول
(ج)أن يكون المال موضوع السرقة مال مملوك للغير
ثالثا:الركن المعنوي
جريمة السرقة لا تكون الا عمديه فلا يتخذ بها الركن المعنوي فيها غير صورة القصد لكن المشرع لا يكتفي فيها بالقصد العام وانما يتطلب فضلاً عن ذلك توافر قصد خاص يتمثل في نية تملك الشيء محل السرقة وبالتالي يمكن تصريفه بانه (قيام العلم عن الجاني وقت ارتكاب الفعل بانه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية امتلاكه) .
وبذلك يمكن القول ان القصد الجرمي في جريمة السرقه يتكون من شقين:-
الاول: القصد العام:- ويتكون من العلم والاراده.
الاراده:- لا يتحقق القصد العام في جريمة السرقة الا اذا اتجهت ارادة الجاني الى اخراج الشيء من حيازة المجني عليه وادخاله في حيازته.
العلم:- وهو ان يحيط علم الجاني بأركان الجريمه ويكون عالم بأنه يقوم بفعل الاخذ وكذلك ان يتعرف علم الجاني وقت الفعل الى كون المال منقولاً مملوكاً للغير فأذا كان يعتقد غير ذلك اكتفى لديه القصد الجرمي على اعتبار ان الغلط في الوقائع ينفي القصد الجرمي دائما ومثال ذلك ان يحمل الفاعل حقيبة تعود للغير معتقداً انها حقيبته لتشابه قائم بينهما.
ثانياً:-القصد الخاص:- في جريمة السرقه يتمثل في نية التملك وهو نية الجاني في ان يجوز الشيء حيازة كامله ومباشرة سلطاته عليه.
كما نصت المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :-
((1- المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي
2- تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية
3- إذا نص القانون على طريقة معينة للإثبات وجب التقيد بهذه الطريقة
4- إذا لم تقم البينة على الواقعة يقرر القاضي براءة المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه من الجريمة المسندة إليه
وبتطبيق القانون على وقائع الشكوى وبالرد على اسباب الاستئناف :- نجد ان شهادة المشتكي هي البينة الرئيسة في هذه الشكوى قد ذكر فيها انه لم يشاهد الاشخاص الذين قاموا بالسرقة وانه قام بتقديم الشكوى بناء على السرقات القديمة وعليه فان شهادة المشتكي جاءت على الشك والتخمين بالمشتكى عليهما وان الشك يفسر لصالح المتهم هذا من جانب .
ومن جانب اخر نجد ان بينات المشتكي والوقائع المراد اثباتها بالبينة الشخصية غير منتجة في الاثبات خصوصاً ان الوقائع المراد اثباتها تتعلق بتعرض مزرعته للسرقة لاكثر من مرة ولم يطلب اثبات واقعة تعرض مزرعته للسرقة بتاريخ 30/7/2022 وعليه فان عدم اجازة البينة الشخصية من قبل محكمة الدرجة الاولى موافقا للقانون
وحيث أن غياب الأدلة المباشرة على قيام الجرم ونسبته إلى فاعله يوجب من المحكمة ووصولاً إلى وجه الحق في الدعوى أن تبحث في الأدلة غير المباشرة وهي القرائن مع مراعاة ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي بشأن تعريف القرينة في مجال الإثبات الجزائي من أنها استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة على سبيل الجزم واليقين (انظر قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (2129/2014)، (هيئة خماسية)، تاريخ (22/2/2015)، وقرارها رقم (143/1992)، (هيئة خماسية)، تاريخ (8/7/1992)، وجندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الأول، منشوراتالحلبي الحقوقية، ص 258 وما بعدها). فالقرينة القضائية يجب أن تكون أكيدة في دلالتها، لا افتراضية محضة وأن يكون في النتائج المستخلصة منها ما يتفق وحكم العقل والمنطق.
ولما كان الأمر كذلك، وكان من جميع ما تقدم ان غدت هذه الدعوى خالية من أية بينة قانونية يُمكن الركون إليها في إصدار حكم بالإدانة بشأن واقعة الشكوى ونسبة الفعل للمستانف ضدهما، وحيث أن حكم الإدانة يجب أن يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي إليه من وقائع البينات لا بمجرد الشك أو الاحتمال الامر الذي يقتضي معه إعلان براءة (المستانف ضدها) عن الجرم المسند اليهما لعدم قيام الدليل القانوني المقنع بحقهما.
(انظر لطفاً قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (1419/2015)، (هيئة خماسية)، تاريخ (15/11/2015)،
تجد محكمتنا وبعد التدقيق والمداولة ان الوقائع في هذه القضية تتلخص وعلى سند من القول انه وبتاريخ 3/10/2022 اثناء قيام منظمي الضبط بالوظيفة الرسمية – مرتب دائرة الجمارك- مكافحة التهريب كانوا بصدد إيقاف مركبة نوع ديانا تويوتا لغايات تفتيشها وبعدها حضرت المركبة رقم 24957-5 نوع دوج والتابعة لدائرة الجمارك وتابع سائقها المسير وتم العثور عليها بجانب منزل المشتكى عليه طراد، وعلى اثر ذلك قدمت الشكوى وجرت الملاحقة.
في القانون:
فقد نصت المادة 178 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه: تقضي المحكمة بالإدانة عند ثبوت الفعل وبالبراءة عند انتفاء الأدلة أو عدم کفايتها وبعدم المسؤولية اذا كان الفعل لا يؤلف جرماً او لا يستوجب عقاباً كما تقضي في الوقت نفسه بالزام المدعي الشخصي بناء على طلب الظنين بالتعويض اذا ظهر لها ان الدعوى أقيمت عليه بصورة كيدية.
وبردنا على السبب الأول من أسباب الاستئناف والمنصب على تخطئة محكمة الدرجة الأولى بإعلان براءة المستأنف ضده عما اسند اليه تجد محكمتنا أن البينة تقام في الدعاوي الجزائية بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي الجزائي بقناعته الشخصية المستمدة من البينات المطروحة عليه بما له من صلاحية بمقتضى نص المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وباستعراض محكمتنا لبينات النيابة العامة وبتطبيق القانون على الوقائع الثابتة من خلالها نجد:
وحيث ان من المستقر في الاجتهاد القضائي ان الحكم بالتجريم مشروط بثبوت الفعل وثبوت الفعل يعني ثبوت الجريمة مستوفيه لعناصرها القانونية وان مجرد تشكك محكمة الموضوع من صحة ما اسند للمشتكى عليه يكفي للحكم بالبراءة عملاً بقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم لذا ولما كان الاصل البراءة فان حكم الادانة الذي يؤدي الى قلب هذه القرينة يجب ان يكون مبني على ادلة قانونية واقتناع يقيني جازم بارتكاب المستأنف للجرائم المسندة اليه وذلك على خلاف حكم البراءة والذي يكفي به الشك للإبقاء على الاصل المفترض بالإنسان استصحابا لقرينة البراءة، لذا فاذا ساور ضمير القاضي الجزائي الشك في حقيقية ارتكاب المتهم للجرم فان القانون يلزم القاضي اعلان براءته عما اسند اليه من الجرائم.
وفي ذلك استقر اجتهاد محكمة التمييز الموقرة بصفتها الجزائية هيئة عامة رقم 993/2008 تاريخ 27/8/2008 على أنه (… في ضوء المبادئ المقررة قانونا وفقها وقضاء فان الشك يفسر لمصلحة المتهم وانه لا يشترط في ادلة النفي ان تقطع بعدم وقوع الجريمة او نسبتها الى الفاعل و انما يكفي ان تثير الشك في ذهن المحكمة حول ما جاء في ادلة الاثبات، وان المفروض براءة المتهم حتى تتوافر الادلة والحجج القطعية الثبوت التي تفيد الجزم واليقين وان حكم الادانة يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي اليه من وقائع البينات، ولا يضير العدالة افلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس)، وحيث أن البينة المقدمة في هذه القضية والمتمثلة بشهادة المشتكي محمد لافي والتي لم يرد فيها ما يشير لقيام المشتكى عليه طراد بصدم مركبته وان مجرد وجود المركبة موضوع الشكوى بجانب منزله لا يجعله هو المتسبب بالحادث، كما ورد في شهادته (…ولم يحصل أي اعتداء علينا) مما ينفي الجرائم المسندة للمشتكى عليه، وهو ما أكده المشتكي طارق والمشتكي سلطان بعدم وقوع أي اعتداء عليهم وبان مجرد وقوف المركبة المتسببة بالحادث بجانب منزل المشتكى عليه طراد لا يجعله هو المتسبب بالحادث كما ان أي من المشتكين لم يرد في شهادته انه كان قد شاهد المشتكى عليه طراد وهو يقود المركبة، وقد اكد الشاهد محمد الزغاليل في شهادته والتي جاء فيها (..ولم أستطع تمييز الشخص الذي كان بالمركبة…ولم يقم المشتكى عليه طراد الفايز بالاعتداء او مقاومة رجال الامن العام)، كما تبين لمحكمتنا ومن خلال شهادة شاهد الدفاع هاني والتي جاء فيها (… وفجأة شاهدت سيارة مرسيدس لون اسود دخلت الى حرم البيت وسيارة أخرى بكب قام سائقها باصطفافها على بيت المشتكى عليه وقام بالنزول والهروب وسائق السيارة السوداء هرب وان المشتكى عليه كان برفقتي ولم يكن معهما…) وهو ما أكده باقي شهود الدفاع، الامر الذي يتوجب معه اعلان براءته عما اسند اليه.
وحيث إن بينة النيابة لم يرد فيها الدليل القاطع على ارتكاب المشتكى عليه للجرائم المسندة اليه خصوصاً أن البينة الدفاعية جاءت لتثبت عدم تواجد المشتكى عليه في مكان الحادث وقت وقوع الحادث.
وحيث أن غياب الأدلة المباشرة على قيام الجرم ونسبته إلى فاعله يوجب من المحكمة ووصولاً إلى وجه الحق في الدعوى أن تبحث في الأدلة غير المباشرة وهي القرائن مع مراعاة ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي بشأن تعريف القرينة في مجال الإثبات الجزائي من أنها استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة على سبيل الجزم واليقين (انظر قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (2129/2014)، (هيئة خماسية)، تاريخ (22/2/2015)، وقرارها رقم (143/1992)، (هيئة خماسية)، تاريخ (8/7/1992)، منشورات مركز قسطاس، وجندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الأول، منشوراتالحلبي الحقوقية، ص 258 وما بعدها). فالقرينة القضائية يجب أن تكون أكيدة في دلالتها، لا افتراضية محضة وأن يكون في النتائج المستخلصة منها ما يتفق وحكم العقل والمنطق.
ولما كان الأمر كذلك، وكان من جميع ما تقدم ان غدت هذه الدعوى خالية من أية بينة قانونية يُمكن الركون إليها في إصدار حكم بالإدانة بشأن الواقعة الثابتة، ذلك أن حكم الإدانة يجب أن يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي إليه من وقائع البينات لا بمجرد الشك أو الاحتمال وعلى محاكم الموضوع إعلان براءة المشتكى عليه حال عدم قيام الدليل القانوني المقنع بحقه.
(انظر لطفاً قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (1419/2015)، (هيئة خماسية)، تاريخ (15/11/2015)،
اولا: ـ من حيث الشكل: نجد أن القرار المستأنف قد صدر بتاريخ 3/5/2023 فان ما ينبني على ذلك أن يكون الاستئناف المقدم من مدعي عام محكمة الجيزة بتاريخ 15/5/2023 مقدم ضمن المدة القانونية، فنقرر قبول الاستئناف شكلا تبعا لذلك.
ثانيا: ـ من حيث الموضوع:
نجد بأنه وبتاريخ 26/9/2021 تم ملاحقة المستأنف ضده (المشتكى عليه) أمام محكمة صلح جزاء الجيزة بجرم مخالفة احكام المادة 30/د/3 من قانون سلطة المياه بناء على قرار الإحالة الصادر عن المدعي العام بتاريخ 22/9/2021 في القضية التحقيقية رقم 877/2021 حيث سجلت الأوراق تحت الرقم 1256/2021.
سارت محكمة الدرجة الأولى بإجراءات المحاكمة وأصدرت بتاريخ 13/10/2021 حكمها المتضمن:
أولا: وعملا باحكام المادة 177 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ادانة المشتكى عليه بجرم حفر الابار الجوفية دون ترخيص وفقا لاحكام المادة 30/د/3 من قانون سلطة المياه والحكم عليه عملا بأحكام المادة ذاتها بالحبس لمدة اربع اشهر والرسوم والغرامة ألف دينار والرسوم.
لم يرتض المستأنف ضده بهذا الحكم فبادر الى تقديم اعتراضه عليه أمام محكمة صلح جزاء الجيزة بتاريخ 25/1/2023 حيث سجلت الاوارق تحت الرقم 154/2023.
سارت محكمة الدرجة الأولى بإجراءات المحاكمة وأصدرت بتاريخ 3/5/2023 حكمها محل الطعن المشار اليه قرارنا أعلاه.
لم يرتض مدعي عام محكمة الجيزة بهذا الحكم فبادر الى تقديم استئنافه عليه أمام محكمتنا للأسباب الواردة في لائحة الاستئناف.
وعن أسباب الاستئناف مجتمعة والتي جاءت في محصلتها لتنصب على تخطئة محكمة الدرجة الأولى بإعلان براءة المستأنف ضده ذلك ان بينات النيابة العامة اثبتت ارتكاب المستأنف ضده للجرم المسند اليه وكان يتعين ادانته به وبوزن بينات النيابة العامة ولم تقم بوزنها الوزن القانوني السليم.
وفي الرد على ذلك تجد محكمتنا وبعد التدقيق والمداولة أن الوقائع الثابتة في هذه القضية وكما خلصت إليها أنه وعلى سند من القول وبتاريخ 1/9/2021 واثناء قيام منظمي الضبط بوظيفتهم الرسمية تم ضبط المشتكى عليه يقوم باستخراج مياه جوفية دون ترخيص، حيث نظم الضبط بحق المشتكى عليه وجرت الملاحقة.
وفي القانون:
نصت المادة150 من قانون اصول المحاكمات الجزائية على: ((يعمل بالضبط الذي ينظمه افراد الضابطة العدلية في الجنح والمخالفات المكلفون باثباتها بموجب احكام القوانين الخاصة وللمشتكى عليه اثبات عكسها بجميع طرق الاثبات)).
كما عرفت المادة 75 من قانون العقوبات فاعل الجريمة على انه هو من أبرز الى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة او ساهم مباشرة في تنفيذها، وبالتالي فإن الفاعل هو من ارتكب الركن المادي للجريمة كما يتوجب ثبوت الجرم المسند للفاعل بالأدلة والحجج القطعية الثبوت.
وبالرجوع الى البينات المقدمه امام محكمتنا نجد انه يشوبها عدم الجزم بصحة واقعه استجرار المياه بصوره غير مشروعه من قبل المشتكى عليه (المستانف ضده) ويتضح ذلك من خلال شهادة منظمه حيث أورد منظم الضبط خالد الحديدي في شهادته (… ولم نقم بالدخول الى البئر وكنا بعيدين عنه،…)، كما ورد في شهادة منظم الضبط ماهر الشخانبة (…علما بأنه لم يتم مشاهدة الواقعة وتم تنظيم الضبط بالمكتب بناء على معلومات سابقة…) وجاء في شهادة منظم الضبط خالد الحديدي ( …ولم اشاهد المشتكى عليه وقت المخالفة علما بانه لم يتم دخول البئر ولم يتم مشاهدة الواقعة وتم تنظيم الضبط بالمكتب)… وحيث ان منظمي الضبط لم يشاهد أي منهم الواقعة بنفسه وقاموا بتنظيم الضبط في المكتب الامر الذي نجد معه ان الضبط تم تنظيمه بناء على استنتاجات وليس بناء على واقعة استخراج المياه محل الجرم المسند للمستانف ضده .
وحيث ان العبرة في وزن البينة للشهادة وليس للضبط ذلك أن المقصود بالضبط الذي له قوة الثبوت هو الضبط الذي يغني عن سماع أقوال منظمه” (انظر لطفاً قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 917/2012، تاريخ 27/6/2012، وقرارها رقم 258/2000، تاريخ 19/4/2000).
الامر الذي نجد معه ان بينة النيابه المقدمه غير كافيه لتشكيل قناعة محكمتنا للقول بثبوت الجرم المسند للمستانف ضده.
وحيث أن غياب الأدلة المباشرة على قيام الجرم ونسبته إلى فاعله يوجب من المحكمة ووصولاً إلى وجه الحق في الدعوى أن تبحث في الأدلة غير المباشرة وهي القرائن مع مراعاة ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي بشأن تعريف القرينة في مجال الإثبات الجزائي من أنها استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة على سبيل الجزم واليقين (انظر قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (2129/2014)، (هيئة خماسية)، تاريخ (22/2/2015)، وقرارها رقم (143/1992)، (هيئة خماسية)، تاريخ (8/7/1992)، منشورات مركز قسطاس، وجندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الأول، منشوراتالحلبي الحقوقية، ص 258 وما بعدها)، فالقرينة القضائية يجب أن تكون أكيدة في دلالتها، لا افتراضية محضة وأن يكون في النتائج المستخلصة منها ما يتفق وحكم العقل والمنطق وهو ما لم يتوفر في هذه الدعوى.
وحيث انه من المستقر عليه فقها وقضاءً ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن حكم الإدانة لا يصدر إلا بتوافر الأدلة القاطعة والجازمة بارتكاب المشتكى عليه للجرم المسند اليه وان الشك يفسر لمصلحة المشتكى عليه ولا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها إدانة بريء وان إفلات ألف مجرم من العقاب خير من إدانة بريء واحد، انظر لطفا قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 456/2006 تاريخ 11/5/2006 منشورات مركز عدالة : ( يفترض براءة المتهم حتى تتوافر الادله والحجج القطعية الثبوت فإذا كانت أدلة الإثبات قائمة على الشك و الاحتمال فان قرار إعلان براءة المتهم عن الجرائم المسندة اليه يتفق وأحكام القانون .
ولما كان الأمر كذلك، وكان من جميع ما تقدم ان غدت هذه الدعوى خالية من أية بينة قانونية يُمكن الركون إليها في إصدار حكم بالإدانة بشأن الواقعة موضوع الضبط وبما أن حكم الإدانة يجب أن يصدر عن الاقتناع اليقيني بصحة ما ينتهي إليه من وقائع وبينات لا بمجرد الشك أو الاحتمال الامر الذي يقتضي معه إعلان براءة المشتكى عليه (المستأنف ضده) لعدم قيام الدليل القانوني المقنع بحقه، (انظر لطفاً قرار محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم (1419/2015)، (هيئة خماسية)، تاريخ (15/11/2015)، منشورات مركز قسطاس).
وحيث ذهبت محكمة الدرجة الأولى في قرارها الى ذات النتيجة فتكون قد اصابت صحيح القانون ونقرها على ذلك وتكون أسباب الاستئناف والحالة هذه غير وارده على القرار المستانف ومستوجبة الرد تبعا لذلك.
لهذا وتأسيسا على ما تقدم نقرر وعملاً بأحكام المادة 14 من قانون محاكم الصلح والمادة 267 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رد الاستئناف موضوعا وتأييد القرار المستأنف وإعادة الأوراق لمصدرها.
نجد الرجوع إلى المادة (87/أ) من نظام الخدمة المدنية رقم (30 لسنة 2007) الساري المفعول على موضوع الدعوى أنها تنص على ما يلي :
((أ-إذا حصل الموظف من الفئة الثالثة على الشهادة الجامعية الأولى وهو على رأس عمله فيجوز تعديل وضعه إلى الفئة الأولى في الدرجة المقررة لذلك المؤهل إذا توافرت الشروط التالية)).
ومن الرجوع إلى نموذج (طلب تعديل وضع) المبرز ضمن ملف المستدعي الوظيفي نجد أن المستدعي كان في الفئة الثالثة وبالتالي ينطبق عليه نص المادة (87) المشار إليه سابقاً .
وبما أن الإجراءات تمت وفق المادة المشار إليها في النظام والذي حدد الفئة الأولى التي يستحقها المستدعي في الدرجة المقررة للمؤهل العلمي الجديد الذي حصل عليه وضمن الشروط والصلاحية التي حددتها المادة المشار إليها ، وبما أن المستدعي طلب تعديل وضعه بموجب الاستدعاء المقدم منه مع بقائه محافظاً على راتبه الأساسي .
وبالرجوع إلى المادة (86) من ذات النظام ، نجد أنها تتعلق بالموظفين من الفئة الثانية ، وأن هذه المادة اشترطت في الفقرة (د) منها : ((…..بأنه في كل الأحوال يجب أن لا يقل الراتب الأساسي المستحق للموظف عن الراتب الأساسي الذي كان يتقاضاه)) .
وبما أن شروط المادة (86) تعطي مزايا للموظفين المعدل وضعهم من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى بأن رواتبهم لا تقل عن الراتب المستحق قبل تعديل الوضع ، ولا يوجد مثل هذا الشرط في المادة (87) المشار إليها المتعلقة بالموظفين المعدل وضعهم من الفئة الثالثة إلى الفئة الأولى ، مما يمس مبدأ المساواة بين الموظفين .
وبما أن الفقه والقضاء الإداريين استقرا على أن القضاء الإداري هو قضاء منشئ للقواعد وأن المبادئ العامة للقانون هي أحد مصادر المشروعية وتتمتع بقيمة قانونية معادلة للقواعد الدستورية إذا كانت تمس مبدأ دستوري كمبدأ المساواة الوارد في المادة (6) من الدستور الأردني ، وما استقر عليه المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان .
(انظر كتاب موسوعة القضاء الإداري –الجزء الأول- للدكتور علي خطار شطناوي –ط3-منشورات دار الثقافة -2011) .
وبما أن الراتب الأساسي للمستدعي كان قبل تعديل الوضع (205) دنانير ، وأصبح بعد التعديل (165) ديناراً ، فإن هذا التعديل يمس حق مكتسب للمستدعي ويمس مبدأ المساواة في المعاملة بين الموظفين ، وبما ان النظام أعطى المستدعى ضده الحق في تعديل فئة المستدعي إلى فئة أعلى إذا حصل على مؤهل علمي جديد ، فإن الأصل أن يتم زيادة راتبه لا أن ينقص كما في حالتنا هذه ، وبالتالي يجب أن لا تحرمه الإدارة حقاً وتعطي غيره من الفئة الثانية ، تحقيقاً للمصلحة العامة وحسن سير المرفق العام .
(انظر كتاب القضاء الإداري – الكتاب الأول – الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب – ص48 – منشوراتالحلبي -2003) .
وبما أن القرار المطعون فيه صدر على خلاف ما توصلنا إليه ، فيكون قراره واجب الإلغاء .