قرار تمييز حقوق 2022/3726
هيئة عامة – رجوعاً عن قرار تمييز (5665/2021) عادية٠
برئاسة القاضي د.سعيد الهياجنة٠
حول؛
الخلاف فيما بين محكمة الاستئناف ومحكمة التمييز بهيئتها العادية في تكييف العلاقة العقدية فيما بين مورث المدعي والمدعى عليهما وبين المدعى عليهما هل هي عقد هبة أم عقد وديعة؟
إن التكييف القانوني لواقعة الدعوى وإعطائه الوصف القانوني الصحيح هو من صلب واجبات المحكمة٠
القرار؛
ورداً على أسباب التمييز الأول المقدم من المدعى عليهما
وعن السبب الثامن ومفاده : تخطئة محكمة الاستئناف إذ لم تقض برد الدعوى كونها مقامة بصورة مخالفة للقانون حيث تقدم المدعي بدعواه ضد المدعى عليهما معاً بدعوی واحدة رغم أن لكل منهما ذمة مستقلة ولا يوجد بينهما رابطة تضامن أو تكافل في موضوع الدعوى وأن كل حوالة بنكية من مورث المميزين لكل منهما مستقلة عن الأخرى الأمر الذي يستوجب رد الدعوى لعدم صحة الخصومة٠
وفي ذلك نجد أن المدعي والمدعى عليهما من ورثة المرحوم غالب وكان مورث أطراف الدعوى قد أودع في حساب كل واحد من المدعى عليهما مبلغاً مالياً وذلك أثناء حياته وعلى سبيل الوديعة والأمانة والحفظ لحين انتهاء الظرف الطارئ الذي اضطره لإيداع هذا المبلغ في حسابهما لدى البنك العربي، وبعد وفاة المورث المرحوم غالب طالب المدعي المدعى عليهما بحصصه الإرثية المترتبة له في المبلغ المودع في حساب كل منهما من قبل المورث والتي أصبحت دیناً شخصياً له بذمتهما حيث وجه إليهما الإنذار العدلي رقم (10330/2018) للمطالبة بذلك الحق وتمنعا عن الدفع رغم تبليغهما مضمون الإنذار وعليه ولما كان المدعي قد أقام الدعوى بمواجهة المدعى عليهما لمطالبتهما بحصصه الإرثية في تركة والده التي أودعها لديهما على سبيل الأمانة والحفظ٠
وحيث إن موضوع المطالبة ناشئ عن سبب قانوني واحد وإن كانت المبالغ مودعة في حساب المدعى عليهما بحواله مالية لكل منهما مستقلة عن الأخرى فإن هذا الأمر لا يعيب دعوى المدعي بعيب مخالفة القانون وتغدو الدعوى صحيحة بإقامتها بمواجهة المدعى عليهما لوحدة السبب الذي قامت عليه لذلك فإن الطعن من هذا الجانب غير وارد ويقتضي رده٠
وعن باقي أسباب الطعن : والمنصبة على تخطئة محكمة الاستئناف بما توصلت إليه حيث إن الحوالات البنكية التي أجراها المرحوم غالب لابنية المميزين قد تمت حال حياته عام 2010 والمتوفى في 2016/6/17 وبالتالي فإن هذه المبالغ لا تدخل في التركة وتخطئة المحكمة بالتكييف القانوني لهذه الحوالات بأنها عقد وديعة غير مدفوعة الأجر وأن التكييف الصحيح لهذه الحوالات هو هبة بالإرادة المنفردة وفقا للمادة (250) من القانون المدني ولم تناقش المحكمة بينات الدعوى ووقائعها وتخطئة المحكمة بإجازتها سماع شاهدي المميز ضده المعترض عليهما على أساس المانع الأدبي بالرغم من توثيق تحويل تلك الأموال خطياً بالحوالات البنكية٠
وفي ذلك نجد أن نقطة الخلاف بين قرار محكمة التمييز بهيئتها العادية ومحكمة الاستئناف تنصب على تكييف العلاقة ما بين المدعى عليهما ووالدهما المرحوم فيما إذا كانت تشكل عقد وديعة أم عقد هبة، حيث توصلت محكمة الاستئناف إلى أن هذا العقد بشكل وديعة معلقة على شرط لم يتحقق وبناء عليه ردت دعوى المدعي كونها سابقة الأوانها، في حين توصلت محكمة التمييز بهيئتها العادية إلى أنها تشكل عقد هبة ومؤدى ذلك أن دخول المبالغ المالية المدعى بها ناتج عن تصرفات قانونية صحيحة لم يرد عکسها وقعت حال حياة مورثهم٠
وبرجوعنا إلى الأحكام القانونية المنظمة لعقد الوديعة فقد نصت المادة (868) من القانون المدني على أنه؛
١- الإيداع عقد يخول به المالك غيره حفظ ماله ويلتزم به الآخر حفظ هذا المال ورده عيناً٠
٢- والوديعة هي المال المودع في يد أمين لحفظه٠
ونصت المادة (876/1) من القانون ذاته على أنه:- (على المودع لديه رد الوديعة وتسليمها إلى المودع في مكان إيداعها عند طلبها إلا إذا تضمن العقد شرطاً فيه مصلحة للعاقدين أو لأحدهما فإنه يجب مراعاة الشرط٠
ونصت المادة (868) من القانون ذاته على أنه:- (إذا مات المودع سلمت الوديعة لوارثه إلا إذا كانت تركته مستغرقة بالديون فلا يجوز تسليمها بغير إذن المحكمة٠
وحيث إن واقعة الدعوى تشير إلى أن المدعي والمدعى عليهما هم من ورثة والدهما المرحوم غالب الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 17/6/2016، وإن مورثهم وحال حياته تعرض لعملية احتيال، وبناء عليه اتفق مع ابنيه المدعى عليهما بأن يسجل الأراضي والأموال التي يملكها باسمهما تجنباً للاستيلاء عليها بطريق الاحتيال وبناء عليه تم تحويل مبالغ مالية إلى حساب المدعى عليهما، وكان هذا التحويل على سبيل الأمانة والحفظ لحين انتهاء قضية الاحتيال، وبعد وفاة مورث المدعي والمدعى عليهما، طالب المدعي بحصته من مال التركة المودع لديهما أثناء حياة والدهما إلا أنهما امتنعا عن الوفاء٠
وحيث إن التكييف القانوني لواقعة الدعوى وإعطائه الوصف القانوني الصحيح هو من صلب واجبات المحكمة على ضوء بسط المدعي ادعاءه وجواب المدعى عليه وتقديم البينات القانونية والدفوع من طرفي النزاع ومن ثم تقوم المحكمة بعد الإحاطة بالدعوى وفهم واقعها وأسانيدها بإنزال حكم القانون عليها ٠
وحيث توصلت محكمتنا إلى أن العقد الذي يربط المرحوم غالب بالمدعى عليهما هو عقد وديعة، وبالتالي فإن المبالغ التي أودعها المرحوم في حسابهما تعتبر على سبيل الأمانة، كون المال المودع لم ينقل لحساب المدعى عليهما على سبيل التمليك وإنما على سبيل الأمانة، كما أن مورث المدعى عليهما طالب بإعادتها إليه أثناء حياته، وعليه فإنه وبمجرد وفاة مورثهما أصبحت هذه المبالغ جزء من التركة، ويملك المدعي بهذه الحالة مطالبة المدعى عليهما بحصته من تلك الأموال التي تعتبر جزءاً من التركة، وبالتالي فإن إصرار محكمة الاستئناف على تكييف العقد على أنه عقد وديعة وليس عقد هبة واقع في محله ويتفق وصحيح القانون مما يتعين الرجوع عن قرار النقض السابق رقم (5665/2021) وتكون هذه الأسباب غير واردة على القرار المميز ويتعين ردها ٠
ورداً على أسباب التمييز الثاني كافة المقدم من المدعي : والتي تصب في مجملها على تخطئة محكمة الاستئناف بوزن البينة وبالنتيجة التي توصلت إليها برد الدعوى بحجة أنها سابقة لأوانها ٠
وفي الرد على ذلك نجد أن محكمة الاستئناف توصلت إلى أن المبالغ المالية التي أودعها المورث في حسابات المدعى عليهما كانت على سبيل الوديعة إلا أنها قررت بالنتيجة الحكم برد دعوى المدعي بحجة أنها سابقة لأوانها كون المطالبة معلقة على شرط لم يتحقق وهو انتهاء قضية الأحتيال٠
وحيث إنه من المقرر قانوناً أنه وبمجرد وفاة مورث المدعى عليهما فإن الغاية من الشرط أصبحت مستنفدة، إذ إن الغاية من إيداع المبالغ المالية في حساب المدعى عليهما هي الخشية من استيلاء الغير على أموال مورث المدعى عليهما حال حياته، إلا أنه وبمجرد وفات المورث يجب ترتيب الأثر القانوني المنصوص
عليه في المادة (888) من القانون المدني وهي تسليم الوديعة للورثة وبالتالي أحقية المدعي بالمطالبة بحصته التي آلت إليه من هذه الأموال هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تمسك المدعى عليهما بهذا الشرط (انتهاء القضية الجزائية) يجب أن يسبقه إقرارهما بصحة عقد الوديعة، في حين أن المدعى عليهما يدفعا ادعاء المدعي بأن هذه التحويلات كانت على سبيل التمليك والهية وليست أمانة في ذمتهما، مما يشكل تمسكهما بالشرط تناقضاً مع دفوعهما في الدعوى ولا حجة مع التناقض الأمر الذي يترتب عليه أن المدعي محق في مطالبته، مما يجعل النتيجة التي توصلت إليها محكمة الاستئناف مخالفة للقانون وأن أسباب التمييز ترد على القرار المميز ويتعين نقضه ٠
وبناء على ما تقدم نقرر رد الطعن التمييزي الأول موضوعاً رجوعاً عن قرار النقض السابق رقم (5665/2021) وقبول الطعن التمييزي الثاني ونقض الحكم المطعون فيه وإعادة الأوراق إلى مصدرها للسير بالدعوى على ضوء ما بيناه وإجراء المقتضی القانوني٠