معلوم أنه في مجال العلاقات الإيجارية الخاضعة للتمديد الحكمي , أن قوانين الإيجار المختلفة والمتعددة , كانت تمنع على المستأجر بيع المأجور أو التنازل عنه لغيره , إلا في حالة واحدة وهي أن يكون منشئ في هذا المأجور مصنعاَ أو متجراَ , فهنا وفي ظل سريان قوانين الإيجار القديمة , كان من حق المستأجر القيام بذلك دون اعتبار لموافقة أو عدم موافقة المالك أو المؤجر , فمن أين جاء هذا المبدأ القانوني المعروف في مجال العلاقات الإيجارية المعتبرة ممددة بنص القانون. من المعلوم أن الإيجار معتبر من العقود المسماة التي بحث فيها القانون المدني , حيث أن القانون المدني في هذا الخصوص ومن حيث المبدأ , كان قد اعتبر العقد شريعة المتعاقدين , وكان ذلك قبل أن يتدخل المشرع في هذا المجال , ويقر مبدأ أن عقود الإيجار معتبرة ممددة حكماَ وبنص القانون , فالأصل في تعريف عقد الإيجار ووفق المادة ( 526 ) من القانون المدني هو أن يمكن المؤجر المستأجر من الانتفاع بالعين المأجور مدة محددة من الزمن لقاء بدل معلوم. والأصل أن القانون المدني وفق المبادئ القانونية العامة ووفق المادة ( 560 ) منه أجاز للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار أو أن يعقد إيجاراَ ثانوياَ مع هذا الغير , بحيث يشمل ذلك التنازل عن كل ما أستأجره أو بعضه , وكل ذلك ما لم يتضمن عقد الإيجار شرطاَ يمنعه من القيام بمثل هذا الأمر , كما إن منع المستأجر من عقد إيجار ثانوي يقتضي حكماَ منعه من التنازل عن الايجار , والعكس صحيح , بحيث يكون منع المستأجر من التنازل عن عقد الإيجار, يعني حكماَ منعه من عقد إيجار ثانوي , وذلك وفق صراحة نص الفقرة الأولى من المادة ( 561 ) من القانون المدني. ولكن الاستثناء الوارد على هذا الأصل والمبدأ , بموجب نصوص ومواد القانون المدني نفسه , هو ما ورد في نص الفقرة الثانية من المادة ( 561 ) من القانون المدني , فهذا النص أجاز للمستأجر بيع حق الإيجار أو التنازل عنه للغير , في حال كان الإيجار يتعلق بعقار أنشئ به مصنع أو متجر , وذلك بالرغم من وجود الشرط الذي يمنع على المستأجر ذلك , في عقد الإيجار نفسه. ومثل هذا الاستثناء ووفق ما ورد من نص في القانون المدني , يشترط أن يتوفر شرطان لممارسة مثل هذا الحق , فالشروط الأول هو أن تكون الضرورة هي من دفعت المستأجر للقيام بمثل هذا البيع أو التنازل , والشرط الثاني هو أن لا يلحق مثل هذا التصرف ضرر كبير بالمؤجر , ففي مثل هذه الحالة وبتوفر هذين الشرطين , أجاز القانون المدني للمستأجر بيع حق الإيجار أو التنازل عنه لغيره , بالرغم من وجود الشرط الذي يمنع عليه ذلك في عقد الإيجار. وبالاستناد إلى ما سلف ولما أخذ المشرع يتدخل في مجال العلاقات الإيجارية , هو رسخ هذا المبدأ مع الكثير من التعديل , فهو من حيث المبدأ أجاز وبالمطلق للمستأجر التنازل عن حق الإيجار أو بيعه لغيره , إذا كان محل عقد الإيجار عقاراَ هو عبارة عن متجر أو مصنع , دون التفات إلى موافقة المؤجر , وفيما إذا كان ما دفع المستأجر لذلك حالة ضرورة أم لا , ودون اعتبار فيما إذا كان مثل هذا التصرف مما يلحق الضرر الكبير بالمؤجر أم لا. وفي هذا الخصوص يقول السنهوري في الصفحات من ( 676 ) إلى ( 679 ) من المجلد السادس من مؤلفه شرح القانون المدني الجديد , نصت الفقرة الثانية من المادة ( 594 ) من التقنين المدني على أنه إذا كان الأمر خاصاَ بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر , واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر , جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع , أن تقضي بإبقاء الإيجار إذا قدم المشتري ضماناَ كافياَ , ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق , فهنا يبيح القانون للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار لغيره , بالرغم من وجود الشرط المانع , وبالرغم من عدم تنازل المؤجر عن هذا الشرط صراحة أو ضمناَ , إذ المفروض أن هناك عقاراَ أنشئ به متجر أو مصنع أو جدك , وكان مستأجر العقار يملك المصنع أو المتجر , وقضت الضرورة عليه بيعه , فإنه لا يجد في العادة مشترياَ , إلا إذا ضمن هذا المشتري أن يحل محل المستأجر في إيجار العقار , لأن شراء المتجر أو المصنع دون بقائه في العقار الذي أنشئ فيه , يعرض المشتري لخسارة كثير من عملاء المصنع أو المتجر , والمفروض أيضاَ أن في عقد إيجار العقار شرطاَ مانعاَ من التنازل عن الإيجار , فهنا اجاز القانون التجاوز عن هذا الشرط المانع , وأباح للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار للمشتري على خلاف الشرط , إذا لم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق وقدم المشتري ضماناَ كافياَ , ويتبين من ذلك أن هذه الحالة يمكن اعتبارها تطبيقاَ لعدم جواز التعسف في التمسك بالشرط المانع.
من المعروف أن عقد الإيجار , هو أحد العقود المسماة التي كان قد بحث فيها بشكل مفصل القانون المدني , وعقد الإيجار كسائر العقود المعروفة , هو من العقود التي ترتب حقوقاَ في ذمة طرفيه , المؤجر والمستأجر. فالمؤجر مثلاً ملتزم بتقديم العين المؤجرة وتمكين المستأجر من الانتفاع بها وفق ما أعدت له , كما هو ملتزم بعدم التعرض المادي أو المعنوي للمستأجر في هذا الانتفاع , وهو مسؤول عن هذا التعرض سواء وقع منه أو من أحد التابعين له أو من قبل الغير. ومقابل ذلك يكون المستأجر ملتزماَ بدفع الأجور وصيانة العين والمحافظة عليها وباستخدام العين وفق ما أعدت له ووفق ما تم الاتفاق عليه بموجب عقد الإيجار , وهو بالمحصلة ملتزم بتسليم العين في نهاية مدة الإيجار على الحالة التي كانت عليها. ولكن عندما بادر المشرع السوري فتدخل في حرية وإدارة طرفي هذا العقد , فأوجد ما بات معروفاَ بالتمديد الحكمي لعقود الإيجار , هو بمثل هذا التدخل عدل في ماهية هذه الحقوق , فأحدث في ذمة طرفي العقد حقوقاَ جديدة , وبمقابل ذلك هو أوجد قيوداَ لحقوق طرفيه , هذه الحقوق المعروفة وفق المبادئ القانونية العامة , والمنصوص عنها بموجب نصوص ومواد القانون المدني , فنتيجة هذا التدخل بات عقد الإيجار في مجال العلاقات المعتبرة ممددة حكماَ لا ينتهي إلا بتوفر إحدى حالات الإخلاء التي حددتها على سبيل الحصر قوانين الإيجار المختلفة. وعليه قد يحصل في معرض علاقة إيجارية معتبرة ممددة حكماَ أن تتوفر إحدى حالات الإخلاء المحددة بنص القانون , ويسكت المؤجر عن استخدام حقه في إقامة دعوى الإخلاء المستندة إلى توفر هذا السب القانوني الموجب للإخلاء , وفي حال حصل مثل هذا السكوت فإنه مما يهدد حقوق المؤجر في إقامة هذه الدعوى , فنتيجة مرور الزمن واكتمال مدة التقادم , يسقط حق المؤجر في إقامة دعاوي الإخلاء المعروفة , والاجتهاد القضائي في مثل هذه الحالات مستقر على :
{ إن الحقوق الناشئة عن عقد الإيجار تسقط بالتقادم.}
استئناف دمشق اساس ( 327 ) قرار رقم ( 198 ) تاريخ 17 / 10 / 1991.
ومعلوم من الناحية الفقهية أن حقوق الطرفين في مجال العلاقات الإيجارية , هي معتبرة من الحقوق الشخصية لا العينية , وهذه الحقوق وفق المبادئ القانونية العامة , هي مما يسقط بالتقادم , ذلك أنه لا يوجد أي حق لا يسقط بالتقادم , والاجتهاد القضائي في مثل هذه الحالات مستقر على :
{ الحقوق والالتزامات الناشئة عن تنفيذ عقد الإيجار , والتي تترتب على مخالفة شروط هذا العقد , لا تخرج عن كونها حقاَ من الحقوق المستقرة للطرف الدائن والتزاماَ من الالتزامات بالنسبة للطرف المدين , وكان الالتزام يتقادم.}
نقض نفعاَ للقانون أساس ( 9424 ) قرار ( 3613 ) تاريخ 21 / 12 / 1992.
والتقادم في مجال الحقوق الإيجارية هو حق شخصي لا تثيره المحكمة من تلقاء نفسها , وإنما يجب إثارته من قبل صاحب المصلحة , وصاحب المصلحة في مجال العلاقات الإيجارية , هو في العام الغالب المستأجر , وبحسب المبادئ القانونية العامة للتمسك بالتقادم , لا يجوز التمسك به إلا أمام محكمة الموضوع , ولا يجوز التمسك به أو إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض , ولكون أحكام محكمة الصلح في مجال العلاقات الإيجارية تصدر بالدرجة الأخيرة , فإن التمسك بالتقادم يكون فقط أمام محكمة الصلح , ولا يجوز إثارته والتمسك به أول مرة أمام محكمة النقض , كما لا يجوز للطرفين التنازل عن هذا الحق بشكل مسبق ولا يجوز الاتفاق على تعديل مدد التقادم لكونها معتبرة من النظام العام , ولكن يجوز التنازل عن التمسك بالتقادم بعد ثبوت حق صاحب المصلحة فيه. والتقادم المسقط للحق في إقامة الدعاوي الإيجارية , وخصوصاَ دعاوي الإخلاء , هو التقادم الطويل ، وذلك وفق ما نصت عليه المادة ( 372 ) من القانون المدني , وهو محدد بخمسة عشرة سنة , وليس التقادم الخمسي المنصوص عليه بالمادة ( 373 ) من القانون المدني والخاص بالحقوق الدورية المتجددة , ومنها الحق في تقاضي الأجور في مجال العلاقات الإيجارية.
في الحياة العملية قد يحصل أن يُطرح للبيع الجبري , عقاراَ مثقلاَ بحق إيجار , أي فيه مستأجر , فما هو أثر مثل هذا البيع على المستأجر الشاغل لهذا العقار .
كما هو معلوم بحث قانون أصول المحاكمات المدنية في التنفيذ , فهو وبداية من المادة ( 275 ) منه بحث في التنفيذ بشكل عام , ومن ثم وبداية من المادة ( 381 ) بحث في البيع الجبري للعقارات. وفيما يخص موضوعنا قانون أصول المحاكمات المدنية , وفي المادة ( 386 ) منه أوجد مبدأ عاماَ بهذا الخصوص , بحيث نص على إن عقود الإيجار الثابتة التاريخ , قبل تسجيل إشارة الحجز الاحتياطي , إذا كان التنفيذ يستند إلى حكم يتضمن حجزاَ احتياطياَ , أو قبل تسجيل الملف التنفيذي , إذا كان التنفيذ يستند إلى سند تنفيذي , قدُم مباشرة إلى دائرة التنفيذ , تسري على كل من الحاجزين والدائنين والمشتري بالمزاد العلني ( الراسي عليه المزاد ) وذلك مع عدم الإخلال بالشروط القانونية الخاصة بإشهار بعض عقود الإيجار. أما فيما تعنيه عبارة الشروط الخاصة بإشهار بعض عقود الإيجار , فإنه يمكن رد هذا الأمر إلى أحكام التسجيل العقاري الواردة في القرار رقم ( 188 ) ل . ر لعام 1926 الناظم لعمل السجل العقاري. ذلك إنه وكما هو معلوم القرار رقم ( 188 ) ل . ر لعام 1926 الناظم لعمل السجل العقاري , كان قد بحث في ما يجب أو يجوز قيده من قيود في الصحيفة العقارية , وهو لأجل ذلك نص وفي المادة ( 12 ) منه على أن عقود الضمان والإيجار ، وكل مخالفة أو تسوية بحق مبلغ معادل لأكثر من أجرة أو بدل ضمان سنة غير مستحقة يمكن قيدها في السجل العقاري. وفي نفس الخصوص نجد أن المادة ( 16 ) من نفس القرار نصت على أن عقود الإيجار التي أعُلنت بقيدها في السجل العقاري , بحسب أحكام المادة الثانية عشرة ، تُعارض الحقوق التي تُسجل بعدها , أما إذا لم تُسجل فلا تعارض حق الغير , في كل مدة تتجاوز إيجار ثلاث سنين , مما يعني أن كل عقد إيجار تتجاوز مدته ثلاث سنوات , وحتى تُطبق عليه أحكام المادة ( 386 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية , يجب أن يكون مسجلاَ في السجل العقاري , كما اشترط القانون , أما إذا لم يكن مسجلاَ فإنه لا يعارض حقوقاَ تسجل بعده إلا بحدود ثلاث سنوات , وذلك وفق صريح المادة ( 16 ) من القرار رقم ( 188 ) ل . ر لعام 1926. وعليه إذا ما تم طرح عقار المدين للبيع بالمزاد العلني عن طريق دائرة التنفيذ المدني المختصة , وكان في هذا العقار مستأجراَ , فإن حقوق هذا المستأجر يجب المحافظة عليها , بشرط أن يكون عقد إيجاره ثابت التاريخ قبل تسجيل إشارة الحجز الاحتياطي , مستند التنفيذ , أو قبل تسجيل الملف التنفيذي في الحالات الأخرى , بشرط أن يكون هذا الحق مسجلاَ على صحيفة هذا العقار في السجل العقاري , إذا كانت مدة الإجارة تتجاوز الثلاث سنوات ، أما إذا لم يكن مسجلاَ في الصحيفة العقارية الخاصة بهذا العقار , فإن هذا الحق يكون ملزماَ لكل من المشتري بالمزاد العلني أو الحاجزين أو الدائنين , بحدود ثلاث سنوات , وفق ما نصت المادة ( 16 ) من القرار رقم ( 188 ) ل . ر لعام 1926 والمادة ( 386 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية. واستكمالاَ للحالة فإن قانون أصول المحاكمات , وفي مقابل مثل هذه الرعاية التي أولاها للمستأجر , الذي يستأجر عقاراَ مطروحاَ للبيع بالمزاد العلني , في حال توفر الشروط القانونية , هو ألزم هذا المستأجر بواجب مقابل ذلك ، وهذا الواجب تمثل فيما نصت عليه المادة ( 387 ) منه عندما نصت على أنه يجب على المستأجر وبعد أن يتبلغ الإخطار الذي يقوم مقام الحجز تحت يده , أن يمتنع عن دفع شيء من الأجرة إلى المدين , وإنما في هذه الحالة يجب عليه الوفاء بالأجرة عن طريق إيداعها في صندوق دائرة التنفيذ المدني ولصالح الملف التنفيذي. وعليه وفي ضوء ما سلف من نصوص قانونية , هل مثل هذه القواعد مطبقة , في ظل سريان قوانين الإيجار المختلفة , وخصوصاَ تلك الخاصة بالتمديد الحكمي .
الوقف قديم قدم الإسلام , وشرعياَ منشأه الحديث المنقول عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه , بخصوص أرضه الخيبرية المعروفة باسم ( أرض ثمغ ) وحكايتها أن سيدنا عمر رضي الله عنه بعد معركة خيبر أصاب أرضاَ فجاء إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضاَ بخيبر لم أصب مالاَ قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيه , فقال صل الله عليه وسلم له إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها , أي تصدقت بثمرتها , كما تدل عليه الرواية الأخرى للبخاري أن رسول الله قال تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، ولكن ينفق ثمره , فتصدق بها عمر. ومن الناحية اللغوية والفقهية , التصدق هو التعبير الذي كان يدل في تلك الأيام , على الوقف المعروف في هذه الأيام. والوقف مستحب شرعاَ مندوب إليه , وقد اختلف العلماء حول لزوم الوقف , أي حول خروج مال الوقف من ذمة مالكه , ولكن أغلب الآراء أجمعت على خروج المال عن ذمة صاحبه , بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث لكونهم عرفوا الوقف بأنه حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بالمنفعة على جهة من جهات البر ابتداء أو انتهاء. كما اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية على جواز رجوع الواقف عن وقفه , فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه ، حتى استقر أغلب الرأي على عدم جواز الرجوع عنه. وللوقف أنواع عديدة منه وقف على جهات البر والخير ووقف ذري ( أهلي ) , ونوع ثالث مختلط بين الخيري والذري. ولكون الوقف من أعمال الصدقات والتقرب إلى الله , فقد كان الوقف سائداَ منتشراَ كثير اللجوء إليه من قبل الناس , منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى الآن , لا بل إن الوقف وفي مرحلة متقدمة وخصوصاَ أيام الدولة العثمانية , بات من المعاملات المعتادة بين علية القوم وعامة الناس , حيث ظهر ما بات يُعرف بوقف السلاطين والأمراء ووقف الحرمين الشريفين وسواه من أوقاف مختلفة ومتعددة. والوقف بداية كان محكوماَ بالآراء الفقهية السائدة المتعارف عليها , ومن ثم وخصوصاَ في ظل الدولة العثمانية بات محكوماَ بالرأي الراجح من المذهب الحنفي , حتى بدأت عملية تنظيم الدول فبات الوقف منظماَ بموجب قوانين وضعية , نظمت شؤون الوقف بما هو سائد من أحكام الفقه. ومن ثم وبسبب كثرة الممارسات السلبية لمتولي الأوقاف ومستحقيها ، منعت القوانين الوضعية الوقف الذري وأصدرت القوانين الخاصة التي قضت بتصفية هذا الوقف , وبالتالي الآن لم يعد من المقبول وجود وقف ذري , فالوقف حالياَ كله هو وقف على جهات البر والخير.
في زمن الدولة العثمانية كان للوقف عهد زاهر , لأن السلاطين وأصحاب الخير , كانوا يتبارون في إنشاء الجوامع والمساجد والمدارس والمكتبات وغيرها من جهات الخير , كما كانوا هؤلاء يوقفون على هذه المرافق العقارات ويخصصون لها الأراضي الأميرية أو أعشارها بإذن السلطان , فيجبي المتولون أعشارها وينفقونها على الجهات الموقوف عليها , فانتشرت بسبب ذلك الأوقاف الذرية والخيرية كثيراَ , مما أدعى لاتساع رقعتها , لدرجة زادت فيها عن الحاجة , وكانت الأسباب الداعية لذلك عديدة سياسية أو اجتماعية او اقتصادية , من قبيل كسب ولاء الناس أو بقصد التهرب من مصادرة الدولة لهذه الأموال , ولكن كان أهم سبب للوقف هو ما تعلق بالصدقات وأعمال البر والخير. هذا وقد صنف الفقهاء الأوقاف في تصنيفات عديدة , ولكن التصنيف الأبرز للأوقاف هو تصنيفها في ثلاثة أنواع تختلف بحسب طريقة توزيع غلتها أو طريقة إدارة أموالها. فمن حيث الأموال الموقوفة تصنف الأوقاف إلى أوقاف صحيحة وأوقاف غير صحيحة وأوقاف عشرية وهذه الأخيرة يُقال لها التخصيصات. فالأوقاف الصحيحة تشمل المنقولات والعقارات التي يوقفها مالكوها وقفاَ صحيحاَ وفق أحكام الشريعة الإسلامية , وتكون رقبة هذه الأموال مالكاَ لجهة الوقف , وتخضع في إدارتها وفي توزيع غلتها لشروط الواقفين وينحصر نطاق هذه الأوقاف بالعقارات الملك وهي العقارات الكائنة ضمن حدود الأماكن المبنية. أما الأوقاف غير الصحيحة فهي الأوقاف التي يكون محلها الأراضي الأميرية , التي أوقفها السلاطين أو التي أوقفها غيرهم بإذن منهم , على جهة من جهات الخير أو على الذرية , أو التي تكون مشتركة الجهتين معاَ , فمثل هذه الأوقاف لا يجري فيها تمليك للعين الموقوفة , لكون رقبة الأرض الأميرية الموقوفة تكون للدولة , ولهذا السبب ينحصر الوقف على منافع هذه العقارات , لذلك أطلق على هذه الأوقاف غير الصحيحة لتميزها عن الوقف الذي يكون محله العقارات الملك. أما الأوقاف العشرية أو ما يُعرف بالتخصيصات , وفيها لا يكون الوقف على عقارات ولا على منقولات , وإنما يكون على حقوق مالية تخلت عنها الدولة للجهة التي أوقف عليها سواء اكانت جهة خير أم جهة ذرية أم جهة مشتركة. وهناك تصنيف أخر للأوقاف , وهو تصنيف الأوقاف وفق طريقة توزيع غلتها , وهي أن تكون الأوقاف خيرية أو ذرية أو مشتركة. فالوقف الخيري ما يكون مخصصاَ ابتداء لأعمال الخير , دون أن يكون للواقف أو ذريته حق في هذه غلة هذا الوقف , اما الوقف الذري هو ما يكون موقوفاَ على الواقف وعلى ذريته من بعده , بشرط أن تؤول هذه الغلة إلى جهة من جهات الخير عند انقراض الذرية. أم الوقف المشترك فهو الوقف الذي توزع غلته على جهات الخير والذرية معاَ وفق حصص او نسب معينة ووفق شروط الواقفين. أم التصنيف الثالث فهو تصنيف الأوقاف حسب طريقة إدارتها , حيث تقسم الأوقاف إلى أوقاف ملحقة وأوقاف مضبوطة , فالملحق من الوقف هو الوقف الذي تكون إدارته بيد المتولين , أما الأوقاف المضبوطة فهي الأوقاف التي تكون إدارتها بيد جهة الوقف. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه وفي عام 1958 وبسبب ما ظهر من تسيب وفلتان في إدارة الوقف واستغلال غلته , صدر القرار بقانون رقم ( 104 ) الذي قضى بتصفية الأوقاف الذرية وفق شروط وطريقة حددها هذا القانون , بحيث بات في الوقت الحالي الوقف المسموح به هو الوقف الخيري فقط.