في زمن الدولة العثمانية كان للوقف عهد زاهر , لأن السلاطين وأصحاب الخير , كانوا يتبارون في إنشاء الجوامع والمساجد والمدارس والمكتبات وغيرها من جهات الخير , كما كانوا هؤلاء يوقفون على هذه المرافق العقارات ويخصصون لها الأراضي الأميرية أو أعشارها بإذن السلطان , فيجبي المتولون أعشارها وينفقونها على الجهات الموقوف عليها , فانتشرت بسبب ذلك الأوقاف الذرية والخيرية كثيراَ , مما أدعى لاتساع رقعتها , لدرجة زادت فيها عن الحاجة , وكانت الأسباب الداعية لذلك عديدة سياسية أو اجتماعية او اقتصادية , من قبيل كسب ولاء الناس أو بقصد التهرب من مصادرة الدولة لهذه الأموال , ولكن كان أهم سبب للوقف هو ما تعلق بالصدقات وأعمال البر والخير. هذا وقد صنف الفقهاء الأوقاف في تصنيفات عديدة , ولكن التصنيف الأبرز للأوقاف هو تصنيفها في ثلاثة أنواع تختلف بحسب طريقة توزيع غلتها أو طريقة إدارة أموالها. فمن حيث الأموال الموقوفة تصنف الأوقاف إلى أوقاف صحيحة وأوقاف غير صحيحة وأوقاف عشرية وهذه الأخيرة يُقال لها التخصيصات. فالأوقاف الصحيحة تشمل المنقولات والعقارات التي يوقفها مالكوها وقفاَ صحيحاَ وفق أحكام الشريعة الإسلامية , وتكون رقبة هذه الأموال مالكاَ لجهة الوقف , وتخضع في إدارتها وفي توزيع غلتها لشروط الواقفين وينحصر نطاق هذه الأوقاف بالعقارات الملك وهي العقارات الكائنة ضمن حدود الأماكن المبنية. أما الأوقاف غير الصحيحة فهي الأوقاف التي يكون محلها الأراضي الأميرية , التي أوقفها السلاطين أو التي أوقفها غيرهم بإذن منهم , على جهة من جهات الخير أو على الذرية , أو التي تكون مشتركة الجهتين معاَ , فمثل هذه الأوقاف لا يجري فيها تمليك للعين الموقوفة , لكون رقبة الأرض الأميرية الموقوفة تكون للدولة , ولهذا السبب ينحصر الوقف على منافع هذه العقارات , لذلك أطلق على هذه الأوقاف غير الصحيحة لتميزها عن الوقف الذي يكون محله العقارات الملك. أما الأوقاف العشرية أو ما يُعرف بالتخصيصات , وفيها لا يكون الوقف على عقارات ولا على منقولات , وإنما يكون على حقوق مالية تخلت عنها الدولة للجهة التي أوقف عليها سواء اكانت جهة خير أم جهة ذرية أم جهة مشتركة. وهناك تصنيف أخر للأوقاف , وهو تصنيف الأوقاف وفق طريقة توزيع غلتها , وهي أن تكون الأوقاف خيرية أو ذرية أو مشتركة. فالوقف الخيري ما يكون مخصصاَ ابتداء لأعمال الخير , دون أن يكون للواقف أو ذريته حق في هذه غلة هذا الوقف , اما الوقف الذري هو ما يكون موقوفاَ على الواقف وعلى ذريته من بعده , بشرط أن تؤول هذه الغلة إلى جهة من جهات الخير عند انقراض الذرية. أم الوقف المشترك فهو الوقف الذي توزع غلته على جهات الخير والذرية معاَ وفق حصص او نسب معينة ووفق شروط الواقفين. أم التصنيف الثالث فهو تصنيف الأوقاف حسب طريقة إدارتها , حيث تقسم الأوقاف إلى أوقاف ملحقة وأوقاف مضبوطة , فالملحق من الوقف هو الوقف الذي تكون إدارته بيد المتولين , أما الأوقاف المضبوطة فهي الأوقاف التي تكون إدارتها بيد جهة الوقف. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه وفي عام 1958 وبسبب ما ظهر من تسيب وفلتان في إدارة الوقف واستغلال غلته , صدر القرار بقانون رقم ( 104 ) الذي قضى بتصفية الأوقاف الذرية وفق شروط وطريقة حددها هذا القانون , بحيث بات في الوقت الحالي الوقف المسموح به هو الوقف الخيري فقط.
ذكرنا فيما سبق من بحث أن الوقف مستحب ومندب إليه , لتعلقه بأعمال البر والخير والصدقات وأعمال التقرب إلى الله سبحانه وتعالى , وهو لأجل هذه الغاية قديم يعود في التاريخ إلى فجر الإسلام , وهو بمثل هذه الصفات ولأسباب دينة وسياسية واجتماعية وحكومية , كان قد عم وانتشر وخصوصاَ إبان سيطرة السلطنة العثمانية على البلاد العربية فخلال هذه السيطرة كثرت ولأسباب مختلفة أعمال البر والخير والصدقات , فراح السلاطين والأمراء وميسوري الحال , يوقفون ما يملكون من أموال غير منقولة على ذراريهم وعلى جهات الخير المختلفة وباعتبار أن أغلب الأملاك العقارية العائدة لهؤلاء , كانت عبارة من أراضي أميرية , استولوا عليها بحكم أنهم باتوا الحاكمين للبلاد العربية أو وزعوها على أتباعهم لكسب الولاء لهم. لذلك نجد أن الوقف بأنواعه المختلفة قد زاد وعم وانتشر في هذه الآونة , هذا الوقف في البداية ومن وجهة نظر قانونية كان محكوماَ بالشريعة الإسلامية , التي كانت تطبق على المعاملات في تلك الفترة الزمنية , لذلك نجد إن الفقهاء صنفوا الأوقاف إلى أكثر من صنف فمنها الأوقاف الصحيحة والأوقاف غير الصحيح والأوقاف العشرية أو ما يُعرف بـ ( التخصيصات ) ومنها الأوقاف الخيرية والأوقاف الذرية والأوقاف المشتركة ومنها الأوقاف المضبوطة والأوقاف الملحقة. وكما هو معلوم وفي تاريخ لاحق وعندما بدأت مسألة تنظيم الدول وبدأت الشرائع الوضعية بالظهور بغاية تنظيم المعاملات بين الناس , فكان الوقف مما تم تنظيمه وإخضاعه لهذه الشرائع. ومن المعلوم أن الأوقاف السورية كانت تخضع في تنظيمها وإدارتها للكثير من القرارات الناظمة لهذا المعاملات مما كان قد صدر عن الدولة العثمانية أو عن المستعمر الفرنسي , ومما هو مستمد من الشرع الإسلامي , حيث استمر العمل على هذا المنوال حتى عام 1961 حيث صدر المرسوم التشريعي رقم ( 204 ) لعام 1961 حيث جرى تنظيم عمل وزارة الأوقاف السورية بموجب هذا القانون. المرسوم التشريعي رقم ( 204 ) لعام 1961 بموجب الفقرة ( أ ) من المادة الأولى منه نص على أن الأوقاف الإسلامية في الجمهورية العربية السورية , هي ملك لجميع المسلمين , وتتولى إدارتها وشؤونها والإشراف عليها وزارة الأوقاف , أما الفقرة ( ب ) من هذه المادة فقد نصت على أن تشمل الأوقاف الإسلامية وأموالها ما يلي : ١ ) الأوقاف الخيرية وعلى الأخص الأوقاف المنشأة لجهة من جهات الخير المحضة , كالجوامع والتكايا والزوايا ودور التوحيد والمدارس والكتاتيب والمكتبات والرباطات ( دور الضيافة ) والبيمارستانات ( دور الشفاء ) والحياض والسبلان والمقابر والمقامات والمزارات , وما شابهها , ويلحق بها جميع العقارات والأموال المنقولة وغير المنقولة الموقوفة على الجهات المذكورة في حالتها الحاضرة وبدلاتها في حالة اندراسها أو هدمها.
٢ ) الأوقاف المضبوطة أو المعتبرة منها وقت صدور هذا المرسوم التشريعي.
٣ ) الأوقاف غير الصحيحة وغير المشروطة.
٤ ) التخصيصات والإعانات المتعلقة بالأوقاف المدورة والخيرية.
٥ ) العوائد الثابتة المحولة أو التي ستحول وتحدد عن حاصل الأعشار أو غيرها من المداخيل العمومية المخصصة للأوقاف الخيرية.
٦ ) الأوقاف الخيرية التي يكون نصب المتولي عليها مفوضاَ إلى رأي القاضي الشرعي أو المدني أو الحاكم الإداري أو غيرهم ممن لا علاقة شخصية لهم بالوقف.
٧ ) أوقاف الحرمين الشريفين.
٨ ) أملاك وأوقاف وأموال الجمعية الخيرية الإسلامية المنحلة.
٩ ) الأوقاف الإسلامية التي آلت إلى الخير , والأوقاف والجوامع والمساجد والمؤسسات الخيرية المسجلة باسم خزينة الدولة وأملاك الدولة أو البلديات وغيرها من الإدارات العامة.
١٠ ) الأوقاف الذرية التي قامت أو تقوم الدوائر الوقفية بإدارتها مدة خمس عشرة سنة ولم يطالب بها تولية أو استحقاقاَ.
١١ ) أموال المستحقين من الأوقاف الذرية التي يمضي المصفاة التي يمضى خمس عشرة سنة على استلامها دون أن يطالب بها مستحقوها.
اما الفقرة ( ج ) من المادة الأولى من هذا المرسوم التشريعي فقد نصت على أن تنتقل ملكية الأوقاف المفصلة في الفقرة ( ب) السابقة حكماَ إلى وزارة الأوقاف وتسجل باسم الدائرة الوقفية التي تعينها الوزارة. هذا وقد استمر العمل وفق هذا النهج حتى عام 2018 حيث عاد المشرع السوري فأصدر المرسوم التشريعي رقم ( 16 ) لعام 2018 تولى بموجبه ومن جديد تنظيم عمل وزارة الأوقاف , فأحدث ثورة قانونية فيما يخص أموال الوقف , ومن ثم وفي نفس العام عاد المشرع فأصدر القانون رقم ( 31 ) لعام 2018 تولى بموجبه تنظيم نفس الشأن مع بعض التعديل على أحكام المرسوم التشريعي رقم ( 16 ) العام 2018 وهو إن شاء الله ما ستكون لنا معه وقفة خاصة مستقبلاَ , وخصوصاَ فيما يتعلق بموضوع بحثنا هذا.
ذكرنا فيما سبق من بحث أن معاملات الوقف تتعلق بأعمال الخير والبر والصدقات والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى , لذلك نجد أن هذه المعاملات كانت محكومة بجملة من الآراء والفتاوى التي تستند في وجودها إلى قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية , كما نج إن هذا الحكم يسري على التصنيفات التي صنف الفقهاء الوقف وفقها ، وهو امتد ليطال الأحكام الموضوعية التي كانت ولا زالت مما يُطبق على الوقف. وذكرنا أن هذه الآراء كانت ولا زالت مما يحكم الوقف , حتى البدء بظهور التشريعات الوضعية , حيث حافظت هذه التشريعات مع بعض التعديل على الأحكام القانونية للوقف , وخصوصاَ تلك المستمدة من الشريعة الإسلامية. ومما يُلاحظ في هذا الخصوص أنه ومع بدء ظهور التشريعات الوضعية , بدأت حركة تشريعية خاصة بالوقف , حيث بدأت هذه الحركة بداية من العهد الذي سيطرت فيه الدولة العثمانية على البلاد العربية مروراَ بالاستعمار الفرنسي وصولاَ للحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم البلاد العربية ومنها الدولة السورية. ففي أيام سيطرة الدولة العثمانية كان الوقف محكوماَ بالنصوص والقواعد الشرعية المستمدة من الفقه الإسلامي ، تبعاَ لكون الوقف بسبب طبيعته من أعمال البر والخير , وفيما تلا من تاريخ بدأ الولاة بمنح الأراضي وتوزيعها على الاتباع والموالين , فظهر ما بات يعرف بمصطلح الأراضي الأميرية , حيث عم وانتشر هذا النوع من الأراضي , حتى بات تقريباَ يشمل معظم الأراضي التي دانت فيها السيطرة للعثمانيين , عند ذلك ولمكافحة هذه الظاهرة بدأت تظهر تشريعات وقرارات سلطانية تحد من انتشار هذا النوع من الأراضي , حتى الساعة التي صدر فيه تشريع قضى بالاستيلاء على هذه الأراضي , ولكون الدولة العثمانية كانت دولة قائمة على الأساس الديني , نجد أنها كانت تحترم معاملات الوقف والأراضي التابعة له , كما كانت تحترم وتخشى التعرض للوقف وإرادة وشروط الواقفين , عند ذلك واستغلالاَ لهذا النهج وبغاية التهرب من آثار هذا الاستيلاء , نجد أن الكثير من السلاطين والأمراء والميسورين من الناس , راحت تسرع في وقف أراضيها على جهات البر والخير , حتى صدر قانون الأراضي العثماني في عام ( 1274 ) هجري. قانون الأراضي العثماني قسم الأراضي إلى خمسة أقسام رئيسية , وتبعاَ للأهمية التي كانت للوقف في ذلك الحين ، هذا القانون بموجب المادة الأولى منه جعل الأراضي الموقوفة أحد أهم هذه الأنواع , كما أنه بمجموع مواده كان قد أفرد أحكاماَ خاصة بالوقف , حيث بين الأحكام الخاصة بانتقال أراضي الوقف والأحكام الخاصة بكافة المعاملات التي من الممكن أن تجري على أراضيه. ولكن مما يُلاحظ على هذا القانون أنه ولمحاربة ظاهرة وقف الأراضي الأميرية التي عمت وسادت , هو وبموجب المادة ( 121 ) منه لم يجيز وقف مثل هذه الأراضي إلا بإذن سلطاني كان يعرف بـ ( ملكنامه ) ولأجل ذلك هي نصت على التالي :
[ لا يقدر أحد أن يقف أرضه المتصرف بها بالطابو إلى جهة ما , مالم تتملك له تملكاَ صحيحاَ بملكنامه همايوني من الطرف الملوكي ].
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الحكم استمر حتى تاريخ صدور القانون المدني السوري في عام ( 1949 ) حيث نصت المادة ( 774 ) منه على التالي :
[ ليس للمتصرف في عقار أميري أن ينشئ عليه وقفاَ , كل وقف ينشأ على عقار أميري يعد باطلاَ.]
ولكن من الطبيعي أنه وقبل صدور هذين النصين التشريعيين , كان قد حصل الكثير من الوقف الذي كان يطال الأراضي الأميرية , حيث لم يمس هذا النص بها ، بسبب عدم رجعية القوانين في مثل هذه الحالات. وتاريخياَ مع ظهور هذا النص وبسبب ما كان يدور حول أموال الوقف من خلافات بين المستحقين , من ذراري الواقفين وبين جهات البر والخير , وبسبب تشعب الأحكام والقواعد الشرعية الخاصة بالوقف , التي كانت تحكم الوقف فيما سبق , نجد أنه بدأت جملة من الخلافات بين الجهات المشرفة على الوقف من طرف , وبين الواقفين من طرف أخر , وبين المستحقين لجزء من عائدات الوقف من طرف ثالث , فبات الكثير من الواقفين يقيمون الدعاوي لإثبات صحة ما أوقفوه من أراضي , وكذلك بدأ المستحقون يقيمون دعاوي مماثلة لإثبات صحة ما تم وقفه عليهم , كما بدأت الجهات المشرفة على الوقف تقيم دعاويها الخاصة لإثبات حقوقها على هذه الأموال الموقوفة , مما أفرز الكثير من الخلافات والإشارات التي كانت تُوضع في معرض مثل هذه الدعاوي , بغية حماية حقوق الواقفين أو المستحقين أو حقوق الجهات المشرفة على إدارة واستثمار الوقف. ولكن أهم سبب زاد في حدة هذه الخلافات هو كثرة الآراء الفقهية التي كانت ولازالت تحكم الوقف , وكثرة وتعدد أنواع الوقف وتصنيفاته المختلفة , وكثرة الحقوق التي كان يرتبها النظام القانوني للوقف على الأراضي الوقفية فضلاَ عما أثير من خلافات شرعية وقضائية حول هذه المعاملات , الأمر الذي أفرز الكثير من القيود والإشارات التي كانت توضع على صحائف عقارات الوقف , مما كان يحفظ ويبين حقوق كل من له علاقة بمثل هذه الحقوق.
كثيراَ ما يرد في متن الوكالات القضائية التي يستخدمها المحامون في تمثيل أطراف الدعاوي القضائية , بأن الموكل مدعياَ كان أم مدعى عليه , أو ممن لا علاقة له بالدعوى , سوى أنه تولى توكيل أحد المحامين بصفته وكيلاَ عن أحد الأطراف هذه الدعوى , بأنه يوكل هذا المحامي أو ذاك لتمثيله في دعوى مقامة منه أو عليه أمام المحاكم , أو لتمثيل من هو وكيل عنه , بالأصالة عن نفسه وبأية صفة كانت له. وفي الآونة الأخيرة باتت المحاكم لا تقبل مثل هذه العبارة للدلالة على صحة التمثيل , وإنما هي باتت تعتبرها مما يعيب الخصومة , وراحت تشترط أن يذكر في متن الوكالة أن من باشر تنظيم التوكيل لصالح هذا المحامي الصفة التي يوكل بموجبها , من قبيل أن يذكر أنه يوكل هذا المحامي بصفته وكيلاَ عن أحد أطرافها بموجب الوكالة العدلية العامة أو الخاصة رقم كذا الصادرة عن الكاتب بالعدل في المنطقة كذا. فهل مثل هذا النهج له ما يستند إليه في القانون من أساس , أم أن ذلك عبارة عن تزيد لا داعي له وهو مما لا يتفق مع أحكام القانون ؟؟؟؟ معلوم أنه ومن الناحية القانونية ومن حيث المبدأ , عبارة أصالة وبأية صفة كانت , الدارج أمر استخدامها في الوكالات عموماَ , تعني فيما تعني أن هذا الموكل يوكل وكيلاَ غيره , وذلك بأية صفة كانت له , وأنه وفق ما كان سائداَ فيما سبق من الاجتهاد القضائي , أنه يكفي للتدليل على ماهية هذه الصفة , وحتى تنتج هذه العبارة آثارها القانونية في نسبة هذه الصفة الى الموكل وبيان المقصود بها , إرفاق الوثيقة الرسمية التي تثبت هذه الصفة التي يدعي بها الموكل , كأن يكون الموكل يوكل غيره بصفته ولياَ أو وصياَ أو وريثاَ أو وكيلاَ عن غيره أو سوى ذلك من صفات. وحسب ما نعلم أن سبب هذا التطبيق القانوني الذي ذهب إلى اشتراط ذكر وبيان الصفة صراحة في متن سند التوكيل المنظم من قبل الوكيل عن أحدهم لصالح وكيل أخر , هو أن الهيئة الخماسية لدى محكمة النقض المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة , هي وفي معرض نظرها في دعوى مخاصمة مقامة بمواجهة قضاة إحدى غرف محكمة النقض كانت قد أصدرت القرار رقم ( 181 ) في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 حيث انتهت هذه الهيئة بموجب هذا القرار إلى رد دعوى مخاصمة مقامة أمامها , بتعليل مفاده أن عبارة بأية صفة كانت الواردة في متن سند التوكيل إنما تنصرف إلى صفة الموكل الشخصية , كأن يكون وريث أو ولي أو وصي وليس إلى صفته كوكيل عن غيره. ومن الناحية القانونية هذا القرار كان قد صدر عن الهيئة الخماسية المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة في الهيئة العامة لدى محكمة النقض , وهذه الهيئة هي الهيئة الخماسية المختصة في رؤية دعاوي المخاصمة التي تقام على إحدى غرف محكمة النقض المختلفة , وهي ليست الهيئة السباعية المختصة قانوناَ بتقرير العدول وإقرار المبادئ القانونية التي تنزل منزلة القانون والتي هي الملزمة للمحاكم بمختلف درجاتها. وبالتالي وباعتبار أن هذا القرار لم يصدر عن الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض , حتى تكون له الحجية على ما سواه من دعاوي قضائية , وإنما هو صادر عن الهيئة الخماسية. ودعوى المخاصمة ورد القضاة كما هو معلوم هي دعوى مبتدئة أساسها الخطأ المهني الجسيم , والقانون نص على إقامة هذه الدعوى أمام الهيئة العامة الخماسية لدى محكمة النقض , إذا كان القضاة المدعى عليهم في دعوى المخاصمة هم قضاة إحدى غرف محكمة النقض , وعليه قد يكون القرار الصادر في دعوى المخاصمة في حالات معينة صادراَ عن محكمة استئناف , فهل سيكون لهذا القرار الحجية التي هي للقانون , والتي تجعله ملزماَ لباقي المحاكم !!!! وفي نفس السياق وكما هو معلوم أن قانون السلطة القضائية رقم ( 98 ) لعام 1961 وبموجب الفقرة ( أ ) من المادة ( 49 ) منه كان قد حصر مهمة العدول عن الاجتهاد وإقرار المبادئ القانونية بالهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , في حين جعل الاختصاص في نظر دعاوي المخاصمة ورد القضاة في الهيئة العامة الخماسية وهذه الهيئة والمقصود الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض , هي أعلى مرجع قضائي في القطر السوري , لذلك نجد أن الاجتهاد والتعامل القضائي قد ذهب إلى إلزامية ما يصدر عن هذه الهيئة من مبادئ قانونية أو قرارات عدول عن الاجتهاد. ووفق ما سلف ومن الناحية القانونية القرارات والمبادئ القانونية التي تقرها هذه الهيئة أو التي تصدر عنها هي التي تكون ملزمة للمحاكم , وهي التي تنزل منزلة القانون , وليس قرارات غرفة المخاصمة ورد القضاة لدى الهيئة العامة لمحكمة النقض , ذلك أن قرار الهيئة العامة الخماسية الصادر في معرض دعوى مخاصمة القضاة , هو ولئن كان له واجب الاحترام , لكون صادر عن إحدى الهيئات المؤلفة لمحكمة النقض , إلا أنه ومن الناحية القانونية هو قرار صادر في معرض دعوى مبتدئة , مثله مثل القرارات التي تصدر في الدعاوي عن محاكم البداية أو الصلح المدني , فهو لا حجية له إلا على الدعوى التي صدر في معرضها , وبالتالي لا حجية له على ما سوى ذلك من دعاوي. وبمقابل هذا القرار الصادر عن الهيئة العامة الخماسية لدى محكمة النقض , والذي صدر في معرض دعوى مخاصمة برقم ( 181 ) في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 نقول وكما نعلم بأن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , وهي الهيئة المختصة بالنظر في طلبات العدول عن الاجتهاد وتقرير المبادئ القانونية , وفي معرض طلب عدول وتقرير مبدأ قانوني , كانت وفي عام 1980 قد أقرت المبدأ القانوني رقم ( 24 ) الصادر في القضية رقم أساس رقم ( 53 ) لعام 1980 وبالمحصلة هي طلبت تعميمه على جميع المحاكم للعمل وفقه وبالرجوع إلى نص هذا المبدأ نجد أن الهيئة المذكورة عللت ما ذهبت إليه من مبدأ قانوني بما يلي :
[ إن الصفة بمعناها الاصطلاحي هي ما للشخص من شأن في الدعوى , يجيز له المخاصمة في موضوعها أو إبداء الدفوع فيها , والقاعدة العامة هي أن أصحاب الحقوق هم ذوو الصفة في المخاصمة عنها أمام القضاء , وقد يقوم بمباشرة الدعوى بالنيابة عن صاحب الحق وكلاؤه الاتفاقين أو نوابه أو دائنوه , ويكون لهؤلاء الوكلاء أو النواب أو الدائنين صفة في المخاصمة مستمدة من عقد التوكيل أو نصوص القرارات الصادرة بتسميتهم أو القوانين. وحيث إنه لا داعي لأن ينص في الوكالة على مركز الموكل في الدعوى كمدعي أو مدعى عليه , فإذا وُكل الوكيل بالخصومة في أمر معين أو في سائر الأمور , فهو وكيل في هذا الأمر أو هذه الأمور سواء أكان مركز الموكل مدعياَ أو مدعى عليه. وحيث إن الأصل هو إعمال الكلام لا إهماله لذا فلا وجه لأن تنصرف عبارة ( بأية صفة كانت ) إلى مركز الموكل كمدعي أو مدعى عليه , ولا بد من إعطائها مدلولها وصرفها إلى ما قصده الموكل بأنه يوكل لا بصفته الشخصية , بل بأية صفة تكون له , كوكيل اتفاقي أو ولي أو وصي أو غير ذلك , مادام الموكل عبر عن إرادته بأنه يوكل الوكيل بأية صفة كانت , وحيث إنه في مثل هذه الحالة يكفي إبراز ما يؤيد هذه الصفة سواء أمام موثق الوكالة أو أثناء المحاكمة مادام نص الوكالة له هذه السعة وهذا الشمول …….]
مما سلف نجد أن القرار رقم ( 181 ) الصادر في القضية رقم ( 418 ) لعام 2021 عن الهيئة الخماسية المختصة في دعاوي المخاصمة ورد القضاة لدى محكمة النقض , هو قرار مخالف لمبدأ قانوني سابق , كانت قد أقرته الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , وبالتالي لا حجية لهذا القرار , لكونه يخالف المبدأ القانوني رقم ( 24 ) اساس رقم ( 53 ) لعام 1980 هذا المبدأ الذي ينزل منزلة القانون , والذي هو الملزم للمحاكم كافة , والذي مخالفته تشكل الذلة المسلكية بالمفهوم القانوني المعروف , علماَ بأننا لم نجد ما يثبت أن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض كانت قد عدلت عن هذا المبدأ القانوني. وعليه ووفق ما سلف نجد أن النهج الذي باتت تتبعه المحاكم في الفترة الأخيرة , إنما هو نهج غير محمود من الناحية القانونية , لكونه يقيد ما هو مطلق , والذي يجب أخذه على إطلاقه , مالم يوجد ما يقيده , وهو فوق ذلك نهج يضيق الأمر الواسع , ويقيد مسألة التمثيل في الدعاوي بشروط شكلية ضيقة لا فائدة منها سوى إضاعة الوقت والمال على الأطراف وأصحاب الحقوق , وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون والعدالة والإنصاف , والأهم أنه هو نهج مخالف للمبدأ القانوني رقم ( 24 ) أساس رقم ( 53 ) لعام 1980 الصادر عن الهيئة العامة السباعية لدى محكمة النقض , هذه الهيئة الذي جعلها القانون هي وحدها دون غيرها المختصة في تقرير المبادئ القانونية.
إن تنفيذ الأحكام الجزائية قانوناَ أمر منوط بالنيابة العامة وحدها دون غيرها , لذا فهي الجهة المختصة ابتداء ببحث مدى شمول العقوبة بالتقادم , غير أن ما تتخذه بهذا الشأن لا يعتبر نهائياَ , لأن النيابة العامة ليست جهة قضائية فاصلة في أساس النزاع , وإنما يعود هذا الأمر بصورة نهائية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم , باعتبار أن التقادم إحدى الصعوبات التي تواجه التنفيذ , وهذه الصعوبة ظهرت في طريق تنفيذ الحكم , والبت في هذه الصعوبات يعود إلى المحكمة , وبالتالي يعتبر ما تتخذه النيابة العامة بشأن التقادم خاضعاَ للتظلم منه أمام المحكمة التي تبت فيه بعد دعوة الطرفين بقرار يخضع للطعن فيه بطرق الطعن المقررة للطعن بالحكم الأصلي. وهذا المبدأ القانوني استقر عليه الاجتهاد , فقد قضت محكمة النقض اللبنانية ( الغرفة الجزائية الخامسة ) في قرارها رقم ( 20 ) تاريخ 25 / 1 / 1973 بأنه ولئن يكن قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ما يزال خلواَ من نص يعين المرجع الصالح للبت في الخلافات الناشئة عن تطبيق أحكام مرور الزمن على العقوبات ( وهو الأمر نفسه بالنسبة للتشريع السوري ) إلا أنه أضحى من المبادئ العلمية المسلم بها في تفسير التشريع المماثل للتشريع اللبناني , أن النيابة العامة هي المرجع الصالح لتطبيق أحكام مرور الزمن من جهة , وأنه يعود لمحكمة الأساس التي أصدرت الحكم من جهة أخرى , أمر البت في جميع الخلافات الناشئة عن إمكانية استفادة محكوم من عفو عام أو عدم استفادته منه , وكذلك أمر البت بجميع الخلافات الناشئة عن تطبيق أحكام مرور الزمن , مما يتعين معه تماشياَ مع هذه المبادئ القانونية أن يستحصل المحكوم عليه على قرار من النيابة العامة بشأن طلبه اسقاط العقوبة الصادرة بحقه بمفعول مرور الزمن , وبالتالي ينبغي تقرير عدم صلاحية المحكمة للنظر في الطلب قبل صدور قرار النيابة العامة بهذا الشأن.
[ مجموعة عالية – اجتهادات محكمة التمييز الجزائية لعامي ( 1972 – 1973 ) الجزء الثالث الصفحة ( 308 ) البند ( 750 – 751 ].
وهو نفس الأمر الذي ذهب إليه الاجتهاد الفرنسي أيضاَ ( محكمة النقض في 31 / 1 / 1952 النشرة الجنائية البند ( 30 ) الصفحة ( 46 ) دالوز الأسبوعي ( 1953 ) الصفحة ( 234 ) وكذلك في 20 / 3 / 1952 مجلة الحقوق الجزائية لعام ( 1952 ) وقد صدرت هذه القرارات في معرض صعوبات تتعلق بالعفو العام , وهو الأمر ذاته بالنسبة للتقادم لأنه لا يعدو أن يكون من الصعوبات التي نهضت في وجه تنفيذ العقوبة , كما نهض قانون العفو العام. ___________________________________ .
مقالة للقاضي المرحوم الاستاذ نصرت منلا حيدر – رئيس المحكمة الدستورية في سورية. المحامون الأعداد ( 9 – 10 – 11 – 12 ) لعام ( 1979 ) الصفحتان ( 246 – 247 ) بتصرف بسيط جداَ. ______________________________________ .